أرشيف المقالات

باب الآنية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
بَابُ اَلْآنِيَةِ
 
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: [ وَجَمِيعُ اَلْأَوَانِي مُبَاحَةٌ.
إِلَّا آنِيَةَ اَلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، إِلَّا اَلْيَسِيرَ مِنْ اَلْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلْم - " لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ اَلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي اَلْآخِرَةِ ".
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
.
♦♦♦♦

الشرح:
جميع الأواني الأصل فيها الإباحة:

وهذه قاعدة مهمة، وهي: أن الأواني كلها مباحة إلا ما جاء النص في تحريمها، كآنية الذهب والفضة، وأما الأواني المصنوعة من النحاس، أو الحديد، أو الخزف، أو الحجارة وغيرها كلها مباحة.

ويدل على ذلك: قوله – تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ [البقرة: 29].
ومنه الآنية.

• يحرم استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب باتفاق الأئمة الأربعة.

ويدل على ذلك: حديث حذيفة - رضي الله عنه - الذي استدل به المؤلف أن النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: " لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ اَلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي اَلْآخِرَةِ "[1].

• صِحَافِهَا: جمع، مفردة صحفة وهي إناء دون القصعة فالقصعة تشبع عشرة والصحفة تشبع خمسة.


• ويستثنى من النهي (الضبة اليسيرة من فضة لحاجة) فهي جائزة.

ويدل على ذلك: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: " أَنَّ قَدَحَ النَّبِيمع التحية - صلّى الله عليه وسلّم - انْكَسَر فَجَعَلَ مَكَانَ الشِّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ "[2] والمعنى: أنه جعل مكان الكسر سلسلة من فضة.

فشروط الجواز أربعة:
1- الضُبة وهي ما يُجبر بها الإناء.

2- اليسيرة.

3- من فضة.

4- لحاجة.
وعندما نقول: يحتاج إلى الفضة ليس معناه أن يضطر للفضة، فالحاجة شيء والاضطرار شيء آخر، فالحاجة تكون مع وجود شيء آخر يسد نفس المكان كالنحاس والحديد وغيره، وأما الاضطرار كأن يضطر للفضة ليس عنده غيرها.

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -:"وليس المعنى ألا يجد ما يجبر به الكسر سواها؛ لأن هذه ليست حاجة بل ضرورة ".

• مسألة: ورد النهي عن استعمال الذهب والفضة، فهل يجوز أن يتخذها دون أن يستعملها؟
الاتخاذ معناه: اقتناء الإناء إما للزينة، أو يقتنيه ويبقيه عنده؛ ليستعمله عند الضرورة.

والقول الصحيح - والله أعلم -: أنه يجوز وأن النهي خاص بالأكل والشرب.

ويدل على ذلك:
1- أن النهي في الحديث ورد في الأكل والشرب فقط دون غيرهما.

2- أن الأصل في الأواني الإباحة، فلا يثبت التحريم إلا بدليل.

3- وردت أحاديث تؤيد هذا الأصل، وهو أصل الإباحة، ومنها حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - مرفوعا: "وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ الْعَبُوا بِهَا لَعِبًا "[3] وأيضا ثبت عند البخاري أن: " أم سلمة - رضي الله عنها - جَاءَتْ بِجُلْجُلٍ[4] مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم -".

والأحوط: ترك اتخاذ الذهب والفضة وأنهما كالاستعمال.
العلة من النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة:
العلة ذُكرت في الحديث: " فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي اَلْآخِرَةِ " فالعلة منافاة العبودية؛ لأن النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - علل بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية، وعلل بعضهم المنع: بما فيها من كسر لقلوب الفقراء أو الإسراف، ولعل ذلك مرادٌ جميعاً.

فائدة: استعمال آنية الكفار مباحة إن جُهل حالها، وأما إذا عرفنا أن بها نجاسة فلا يجوز استعمالها، ومما يدل على جواز استعمال آنيتهم:
أ- قول الله - عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:29 ]، وآنية الكفار مما خلق الله لنا في الأرض.

ب- جاء في صحيح البخاري: أن النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أكل من الشاة المسمومة التي أهديت له في خيبر، ولاشك أن الطعام ومنه هذه الشاة لا يُقدَّم إلا بإناء.

ج- جاء في الصحيحين البخاري ومسلم أن: النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة.
 
 
وأما إن عرفنا أن بها نجاسة، فلا نستعملها ما دام أن عندنا آنية غيرها، وأما إذا لم نجد فإننا نزيل النجاسة ثم نأكل فيها.

ويدل على ذلك: ما جاء في الصحيحين عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - أن: النَّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: " فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا "[5].


مستلة من بداية المتفقهين في شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة)
 

[1] رواه البخاري برقم (5426)، رواه مسلم برقم (2067).

[2] رواه البخاري برقم (3109).

[3] رواه أحمد برقم (8416 )، رواه أبو داود برقم (4238).

[4] انظر فتح الباري لابن حجر (10/432).
الجلجل: هو الإناء الصغير.

[5] رواه البخاري برقم (5488)، رواه مسلم برقم (1930).

شارك الخبر

المرئيات-١