خطب ومحاضرات
معنى لا إله إلا الله -4
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا الوقت ندرس رسالة: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد عرفنا أنَّ لا إله إلا الله هي كلمة التقوى، لو سئلت يا عبد الله عن كلمة التقوى ما هي؟ فأجبِ السائل بقولك: هي لا إله إلا الله. أي: لا معبود بحق إلا الله عز وجل. ودليل ذلك قول الله تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26]، ألا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحاب بيعة الرضوان.
وهذه الكلمة (لا إله إلا الله) هي أفضل كلمة على الإطلاق؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( أفضل ما قلت أنا والنبييون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ). وقد سبق أن علمنا أن هذا ورد الصالحين والصالحات، فلا تطلع شمسك يا عبد الله ولا تغرب إلا وقد ذكرت هذا الورد العظيم، وهو أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، سواء وأنت تمشي، أو أنت راكب، أنت جالس، أنت مضطجع، على جنبك، لا يحول بينك وبين هذا الذكر، وإن كنت جنباً ولم تغتسل، لا يفوتك يا عبد الله! لا يفوتك يا أمة الله هذا الورد، والله إنه لمن خير الأوراد وأفضلها، وحسبنا أن يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كان له عدل عشر رقاب )، وهذا أيام كانت الرقاب تعتق في سبيل الله، والرقبة بالآلاف، فالذي يأتي بهذا الورد مؤمناً صادقاً يكون له كأنما عتق عشر رقاب في سبيل الله.
( وظل يومه ذلك كله في حرز من الشيطان )، أي: بعدما يمحو الله به عنه مائة سيئة، ويرفعه مائة درجة.
( ولا يأتي إنسان بأفضل مما أتى به، إلا من قال مثله وزاد ). فإن شاء الله نعمل بهذا الورد أو لا؟ والله ما يصرفنا عنه إلا الشيطان، فهو لا يكلفنا طاقة ولا جهداً ولا مالاً ولا أي شيء، فلماذا ما نقوله في صدق؟ وليس شرطاً أبداً أن تكون جالساً مستقبلاً القبلة، بل حيثما اتجهت اذكر الله عز وجل، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191]. هذه كلمة التقوى.
لا إله إلا الله هي مفتاح الشفاعة، صاحبها يشفع ويشفع فيه، وعادمها لا يشفع ولا يشفع فيه، إذ قال تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86]، من هو الذي شهد بالحق؟ من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهي أيضاً كلمة الشفاعة. فنضيف إلى كلمة التقوى كلمة الشفاعة، وأفضل كلمة قالها نبي من أنبياء الله ورسله فضلاً عن غيره من الأنبياء.
وسر هذا يا معشر المستمعين والمستمعات! أن تكون عالماً بما تقول، لما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد سبق علمك بأنه حقيقة لا يوجد إله إلا الله وحده، وكل الآلهة باطلة وكذب وافتراءات، فلا يوجد إله إلا الله. وما الدليل على دعواك هذه؟ دليلي على دعواي: لا يوجد خالق سوى الله، ولا يوجد قوي قادر لا يعجزه شيء إلا الله، ولا يوجد مالك يتصرف يعطي ويمنع إلا الله.
إذاً: فلهذا شهدت أنه لا إله إلا هو، أي: أشهد على علم. وشهدت أن محمداً رسول الله؛ لأني علمت يقيناً أن الله أنزل عليه كتابه، وكتاب الله موجود مقروء مكتوب محفوظ، وهذا الكتاب نزل على من؟! هل هناك من ادعى في العالم أنه نزل عليه؟ الجواب: لا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فيستحيل أن يكون غير الرسول، وقد أوحى الله إليه كتابه وأنزله عليه ليبلغه ويدعو به إليه، فهو إذاً: رسول الله، فتكون شهادتك على علم، إذ الشهادة لابد وأن تكون على علم، فكيف تشهد في المحكمة أن فلاناً قال أو ما قال بدون علم سابق؟ لابد أنك وقد علمت.
علمنا من دراستنا السابقة لهذه الرسالة أنَّ الذي يشهد بألوهية الله وأنه لا إله إلا الله، آياتُ الله الكونية والتنزيلية، فهذه الآيات الكونية من الذرة إلى المجرة، ذي العوالم كلها مخلوقة مربوبة، من خالقها، من ربها، من مالكها، من مبيدها، من محييها، من.. من؟ لا جواب إلا: الله .. الله .. الله.
الآيات التنزيلية هذا القرآن كلام أو لا؟ علم أو لا؟ هل هناك كلام أفضل منه، وأقوى منه. هل هناك علم أفضل منه وأوسع؟ لا والله العظيم.
إذاً: هذه الآيات القرآنية؛ كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
كل آية؛ لأن لفظ الآية معناه العلامة أو لا؟ ما آية كذا؟ أي: ما علامة كذا؟ ما علامة وجود الله؟ هذه الآيات أكلام يوجد بدون متكلم؟ مستحيل، هل ممكن أن توجدوا كلاماً بدون متكلم به؟ مستحيل. كيف يوجد كلام والمتكلم غير موجود، من يقول بهذا من العقلاء؟!
كلام الله كله علم ومعرفة، قد طأطأت الدنيا رأسها أمامه؛ أفهذا كله لا يدل على وجود الله وألوهيته وعلمه وقدرته؟! ولا يدل على أن محمد بن عبد الله رسول الله ونبي الله وخاتم أنبيائه؟ وإلا ما الدليل؟ أما بقيت عقول!
إذاً: الأدلة الكونية يا أبنائي ويا إخواني! هذا العالَم من الذبابة التي تشاهدها؛ من خلقها؟ ولم خلقت؟ وما سر خلقها؟ ولو تتبعت المخلوقات كلها تقف عند كلمة حقاً: الله الخالق الرازق المدبر، آمنت به إلهاً .. ومن هنا عرفت أنه لا إله إلا هو، فلا أقبل بوجهي ولا بقلبي على كائن من كان إلا عليه وحده.
قال المؤلف غفر الله لنا وله ولكم وإياه ولسائر المؤمنين: [ الغرض من معرفة الله ]، ما الفائدة من معرفة الله؟ ما الغرض الذي تهدف إليه إذا عرفت الله؟ نعم يجب أن تعرف الله بلا جدال ولا خلاف.
يجب معرفة الله؛ لأنه لا يخشى اللهَ إلا من عرفه، ولا يخاف اللهَ إلا من عرفه، والدليل قوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، وهذه الصيغة صيغة حصر، فإنما يخشى اللهَ حقاً من عباده العلماءُ فقط، أما الجاهلون به فلا يخافونه، ولكن من عرف جلاله وكماله وقدرته وحكمته وجبروته لا يستطيع أن يعصيه، والدليل أقوله دائماً: ادخل قرية من قرى المسلمين أو عاصمة من عواصمها، وابحث عن أتقاهم لله، فوالله لن يكون إلا أعلمهم بالله.
تأملوا هذه لعل الشيخ واهم: ادخل أي بلد واسأل عن أتقاهم لله، والله لن يكون إلا أعلمهم بالله، وما زدت على أن قلت ما قال ربي: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ من؟ الجهال؟ الجواب: العالمون: الْعُلَمَاءُ .
مثال عامي، ونحن دائماً مع العوام، ونحن منهم والحمد لله، مثلاً: إذا عرفت أن في هذا الحي ثعباناً أو في هذا البيت، تخاف أو ما تخاف، تبقى تتحسس، إذا مشيت .. إذا قمت تقول: لعل الثعبان عندي، أليس كذلك؟ وإذا كنت لا تعلم أن هناك ثعبان سيحصل خوف في نفسك؟ والله ما كان.
فمن عرف أن الله له الجبروت والقدرة يأخذ ويعطي، يميت ويحيي، ويعز ويمد خافه، ومن لم يعرف هذا كيف يخافه؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28].
فإن قيل: يا شيخ! كيف نكون علماء؟
كيف تكونون علماء! اجتمعوا اجتماعكم هذا كل ليلة طول العام ما بين صلاة المغرب والعشاء تصبحون والله أعلم أهل الأرض. هل تعرفون أوروبا التي قادتنا وحكمتنا لما هبطنا؟ اذهب إلى باريس أو لندن إذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب وقف العمل، وأقبل أولئك الأموات إلى المقاهي والمراقص والمقاصف يلهوون ويلعبون؛ لأن قلوبهم ميتة.
ونحن على عكسهم إذا دقت الساعة السادسة توضأنا وأخذنا نساءنا وأطفالنا إلى بيوت ربنا، فنصلي المغرب، ونجلس إلى عالم مربٍ بالكتاب والسنة، ليلة آية، وأخرى حديث، ليلة آية، وأخرى حديث، وطول العام، والله ما يبقى جاهل ولا جاهلة قط في تلك القرية وتلك المدينة. وإذا انتفى الجهل ماذا يحل محله؟ والله لا غش ولا خداع ولا سرقة ولا كذب ولا عجب ولا كبر ولا ظلم ولا اعتداء أبداً، تنمحي، لماذا؟ لأنهم أصبحوا علماء، والعلماء هم الذين يخشون ربهم، فلا يستطيعون أن يقولوا كلمة لا يرضى الله عنها، ومع الأسف ما نسأل: كيف نعمل؟ كيف نتعلم؟ هذا هو الطريق، فليس هناك من يوحى إليه، وإنما هو: ( إنما العلم بالتعلم ) قالها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) رواه البخاري ، فيصبح يعرف أسرار هذا الدين: لمَ يتوضأ؟ لمَ يستقبل القبلة؟ لمَ يرفع أصبعه لا إله إلا الله؟ كل هذه الأسرار هو على علم بها.
من يحصل على هذا؟ أهل المقاهي والملاهي والملاعب، والدكاكين مفتوحة وبين المغرب والعشاء؟! ظلم هذا وباطل.
مالت الشمس إلى الغروب نظامنا نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وإن كنا أقلية في العالم؛ نظامنا إذا دقت الساعة السادسة، أغلق الدكان، ارم المسحاة من يدك، ارم المرزبة من يدك، إلى أين؟ إلى بيت الرب، سبحان الله! للرب بيت؟ أي نعم، نذهب إلى ربنا، والله إلى ربنا وهو معنا، فنصلي المغرب والنساء وراء الستار، والأطفال منظمين كالملائكة صفوفاً، والفحول أمامهم، ونجلس ساعة نتعلم فيها آية من كتاب الله، نرددها ونتغنى بها في أنفسنا حتى تحفظ، وبعد حفظها يشرح المربي ويبين لنا مراد الله منها، فإن كانت تحمل عقيدة عقدناها من تلك الساعة في نفوسنا، تحمل أدباً من تلك الساعة عملنا على أن نتأدب به، تحمل أمراً من ذلك الوقت عازمون على فعله، تحمل نهياً من تلك الساعة اجتنبنا ذلك المنهي عنه، ويوماً بعد يوم وبعد يوم نسمو ونرتفع، عاماً .. عامين .. نصبح كالقرون الذهبية، فلا نحتاج إلى قلم ولا إلى قرطاس، لقد أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون الألف ولا الباء، أما سيدهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم فلا يعرف الألف ولا الباء، وهل حصل العلم؟ علماء أو لا؟ والله لا أعلمَ منهم في الأرض؛ لأن العلم بالتلقي .. بالتعلم.
فعسى أن يبلغ المستمعون هذه الدعوة إن شاء الله في مدنهم وقراهم، ويقول صاحب القرية: تعالوا نجتمع بين المغرب والعشاء كل ليلة نذكر الله ونعبده، ما المانع؟ تغضب الحكومة والله لتساعدهم، حتى ولو كانت يهود إسرائيل، لماذا؟ لأنكم تتعلمون الكمالات، فتهدأ الحال وتستريح الأمة وتصبح في أحسن ما تكون.
المعرفة السطحية لله قلَّ من ينكرها من أهل الملل والنحل
قال: [ فإن الغرض من ذلك ليس هو مجرد المعرفة السطحية فقط. فإن مثل هذه المعرفة السطحية قلَّ من ينكرها، فقد أقر بها كثير من أهل الملل والنحل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] ]، فهذه معرفة سطحية فهم ما عرفوا الله، كالذي سمعوا به فقط.
الغرض من معرفة الله هو توحيده وتأليهه
ثم قال: [فمن عرف ربه وجب عليه تأليهه ] من عرف ربه بجلاله وكماله وصفاته وجب عليه أن يؤلهه دون من سواه.
وتأليه الله تعالى بم يكون؟ قال: [ بالالتجاء إليه]، تلجأ إلى الله عز وجل في كل ما تريده من أمور الدين والدنيا، فإن مرضت تلجأ في العلاج إليه، وإن جعت تلجأ في الشبع إليه، إن.. إن ..، دائماً لجوءك الصادق إليه عز وجل.
ثم قال: [ والتوكل عليه ] بالاعتماد وتفويض الأمر إليه، فلا تعرف إلا الله، تلجأ إليه وتوكل عليه.
ثم قال: [والرغبة إليه] أي: الطمع، [والرهبة منه] أي: الخوف منه. ويتم ذلك [بطاعته وتقواه؛ بحبه الشديد وابتغاء رضاه، بصرف جميع أنواع العبادات له وحده لا شريك له دون من سواه ].
إذاً: ما الغرض من معرفة الله يا شيخ؟
الجواب: الغرض من معرفة الله بما أنزل من آيات وما نصب من علامات، الغرض من ذلك هو ليس مجرد المعرفة السطحية، بل الغرض من ذلك تأليه الله تعالى، أي: عبادته دون من سواه، لا مَلك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح؛ فضلاً عن الحيوانات وهذه الجمادات.
فقوله: (فمن عرف ربه) أي: معرفة حقيقية (وجب عليه تأليهه) وبم يكون التأليه لله؟ قال: (بالالتجاء إليه) أي: تلجأ إليه في كل ما تحتاجه. فيا عبد الله الفقير إلى الله! ارجع إلى ربك في كل شئونك.
ثم قال: [ والتوكل عليه ] وهنا أعطيكم مثالاً للتوكل: أخونا فتح دكاناً .. بقالة .. سوبر ماركت، يبيع فيه من كل الخيرات ما شاء الله، لكن عنده مجلات فيها صور للعواهر، وفيها الدعوة إلى الشرك والباطل والكفر، ويبيع أيضاً السجائر على اختلافها، فتدخل تقول له: يا أخي! هذا خير من الله بسطه الله لك، فلا تبع هذه المجلات في بلد إسلامي، فإن فيها صوراً للعواهر وصوراً للمجرمين، وفيها ما يفسد قلوب المؤمنين، ولا تبع الدخان أيضاً؛ لأنه حرام على المسلمين؛ لأنهم يطهرون أفواههم بذكر الله، وهم يتصلون بالرب خمس مرات ويجالسونه، فكيف تبيع هذه الأشياء في بلد إسلامي؟ فيقول هذا الذي لا يعرف التوكل: إذا لم نبع هذه الأشياء للزبائن ما يأتوننا، وما يأخذوا منا، والزبائن لا يشترون لا زيتاً ولا سكراً ولا حلاوة إذا لم تكن هذه المجلات وهذه السجائر موجودة. فهذا هل توكل على الله أم على هذه المجلات؟ توكل على بيع الباطل الحرام، ما توكل على الله ولا فوض أمره إليه.
مثال آخر: لو أن فلاحاً أرضه صالحة للزراعة والمطر ينزل دائماً، وقلنا له: ازرع البر في هذه القطعة لإخوانك، قال: ممكن لا ينزل المطر، وممكن لا ينبت، ما نتعب، فهل هذا توكل على الله أم ماذا فعل؟ لو توكل على الله لبذر بذره وتركه لله، إن شاء سقاه، وإن شاء أعطشه، إن شاء نماه، وإن شاء تركه.
مثال آخر: يا عبد الله! تزوج، العزوبة في الإسلام غير ممدوحة أبداً، وستتعب من العزوبة فتزوج. يقول: ما عندي وظيفة ولا عندي عمل وكيف نتزوج؟ أين التوكل على الله؟ أنت توكل على الله وتزوج والله يغنيك. لقد كان عمر يقول: من أراد الغنى فليتزوج. يعلنها للناس، كيف يا عمر ؟ مستشهداً بقول الله تعالى من سورة النور، أين أهل القرآن؟ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، من أراد أن يستغني فليتزوج، وقد رأينا الصعلوك مثلي ما يتزوج يأكل عند أبيه .. عند أمه دائماً في كذا، ما إن يتزوج يصبح هو يطعم المرأة ويسقيها وأولاده، بدلاً ما كان هو يسقى أصبح يسقي على الفور.
فالشاهد عندنا التوكل على الله أي: تفويض الأمر إليه، أنت ائت بالواجب واترك الأمر لله عز وجل.
ثم قال: [ والرغبة إليه والرهبة منه ] الطمع فيه والخوف منه، ما نخاف غير الله ولا نطمع في غير الله أبداً.
قال: [بطاعته وتقواه، بحبه الشديد وابتغاء رضاه، بصرف جميع أنواع العبادات له وحده لا شريك له دون من سواه].
قال: [ وإذا كان الله سبحانه يدعو خلقه] أي: عباده [ إلى معرفته بما أنزل من آيات وما نصب من علامات ]، قوله: (أنزل من الآيات) أي: القرآنية، وقوله: (ما نصب من العلامات) أي علامات نصبها؟ الجبال، البحار، الأشجار، الإنس والجن، ذي علامات دالة على خالقها أو لا؟
قال: [ فإن الغرض من ذلك ليس هو مجرد المعرفة السطحية فقط. فإن مثل هذه المعرفة السطحية قلَّ من ينكرها، فقد أقر بها كثير من أهل الملل والنحل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] ]، فهذه معرفة سطحية فهم ما عرفوا الله، كالذي سمعوا به فقط.
ثم قال: [ وإنما الغرض من معرفة رب العالمين تأليهه دون من سواه ] الغرض من معرفة الله تأليهه، أي: عبادته دون من سواه، أما إن عرف ولم يعبد كأنه ما عرف، سواء بسواء. عرف وعبد؟ نعم. عرف ولم يعبد كأنه ما عرف. فلهذا قال: [ وإنما الغرض من معرفة رب العالمين تأليهه دون من سواه] من الكائنات كلها في العالم العلوي أو السفلي.
ثم قال: [فمن عرف ربه وجب عليه تأليهه ] من عرف ربه بجلاله وكماله وصفاته وجب عليه أن يؤلهه دون من سواه.
وتأليه الله تعالى بم يكون؟ قال: [ بالالتجاء إليه]، تلجأ إلى الله عز وجل في كل ما تريده من أمور الدين والدنيا، فإن مرضت تلجأ في العلاج إليه، وإن جعت تلجأ في الشبع إليه، إن.. إن ..، دائماً لجوءك الصادق إليه عز وجل.
ثم قال: [ والتوكل عليه ] بالاعتماد وتفويض الأمر إليه، فلا تعرف إلا الله، تلجأ إليه وتوكل عليه.
ثم قال: [والرغبة إليه] أي: الطمع، [والرهبة منه] أي: الخوف منه. ويتم ذلك [بطاعته وتقواه؛ بحبه الشديد وابتغاء رضاه، بصرف جميع أنواع العبادات له وحده لا شريك له دون من سواه ].
إذاً: ما الغرض من معرفة الله يا شيخ؟
الجواب: الغرض من معرفة الله بما أنزل من آيات وما نصب من علامات، الغرض من ذلك هو ليس مجرد المعرفة السطحية، بل الغرض من ذلك تأليه الله تعالى، أي: عبادته دون من سواه، لا مَلك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح؛ فضلاً عن الحيوانات وهذه الجمادات.
فقوله: (فمن عرف ربه) أي: معرفة حقيقية (وجب عليه تأليهه) وبم يكون التأليه لله؟ قال: (بالالتجاء إليه) أي: تلجأ إليه في كل ما تحتاجه. فيا عبد الله الفقير إلى الله! ارجع إلى ربك في كل شئونك.
ثم قال: [ والتوكل عليه ] وهنا أعطيكم مثالاً للتوكل: أخونا فتح دكاناً .. بقالة .. سوبر ماركت، يبيع فيه من كل الخيرات ما شاء الله، لكن عنده مجلات فيها صور للعواهر، وفيها الدعوة إلى الشرك والباطل والكفر، ويبيع أيضاً السجائر على اختلافها، فتدخل تقول له: يا أخي! هذا خير من الله بسطه الله لك، فلا تبع هذه المجلات في بلد إسلامي، فإن فيها صوراً للعواهر وصوراً للمجرمين، وفيها ما يفسد قلوب المؤمنين، ولا تبع الدخان أيضاً؛ لأنه حرام على المسلمين؛ لأنهم يطهرون أفواههم بذكر الله، وهم يتصلون بالرب خمس مرات ويجالسونه، فكيف تبيع هذه الأشياء في بلد إسلامي؟ فيقول هذا الذي لا يعرف التوكل: إذا لم نبع هذه الأشياء للزبائن ما يأتوننا، وما يأخذوا منا، والزبائن لا يشترون لا زيتاً ولا سكراً ولا حلاوة إذا لم تكن هذه المجلات وهذه السجائر موجودة. فهذا هل توكل على الله أم على هذه المجلات؟ توكل على بيع الباطل الحرام، ما توكل على الله ولا فوض أمره إليه.
مثال آخر: لو أن فلاحاً أرضه صالحة للزراعة والمطر ينزل دائماً، وقلنا له: ازرع البر في هذه القطعة لإخوانك، قال: ممكن لا ينزل المطر، وممكن لا ينبت، ما نتعب، فهل هذا توكل على الله أم ماذا فعل؟ لو توكل على الله لبذر بذره وتركه لله، إن شاء سقاه، وإن شاء أعطشه، إن شاء نماه، وإن شاء تركه.
مثال آخر: يا عبد الله! تزوج، العزوبة في الإسلام غير ممدوحة أبداً، وستتعب من العزوبة فتزوج. يقول: ما عندي وظيفة ولا عندي عمل وكيف نتزوج؟ أين التوكل على الله؟ أنت توكل على الله وتزوج والله يغنيك. لقد كان عمر يقول: من أراد الغنى فليتزوج. يعلنها للناس، كيف يا عمر ؟ مستشهداً بقول الله تعالى من سورة النور، أين أهل القرآن؟ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، من أراد أن يستغني فليتزوج، وقد رأينا الصعلوك مثلي ما يتزوج يأكل عند أبيه .. عند أمه دائماً في كذا، ما إن يتزوج يصبح هو يطعم المرأة ويسقيها وأولاده، بدلاً ما كان هو يسقى أصبح يسقي على الفور.
فالشاهد عندنا التوكل على الله أي: تفويض الأمر إليه، أنت ائت بالواجب واترك الأمر لله عز وجل.
ثم قال: [ والرغبة إليه والرهبة منه ] الطمع فيه والخوف منه، ما نخاف غير الله ولا نطمع في غير الله أبداً.
قال: [بطاعته وتقواه، بحبه الشديد وابتغاء رضاه، بصرف جميع أنواع العبادات له وحده لا شريك له دون من سواه].
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
معنى لا إله إلا الله -3 | 3268 استماع |
معنى لا إله إلا الله -5 | 3009 استماع |
معنى لا إله إلا الله -1 | 2360 استماع |
معنى لا إله إلا الله -2 | 2240 استماع |
معنى لا إله إلا الله -6 | 2094 استماع |