معنى لا إله إلا الله -1


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! في هذا اليوم المبارك نفتتح دراسة رسالة من رسائلنا مضى عليها أربعون سنة، ألفت في المدينة النبوية بعنوان (لا إله إلا الله)، فهيا ندرس منها ما شاء الله، ونحن في انتظار طلوع الشمس وارتفاعها لنصلي ركعتين؛ ركعتين تعدلان حجة وعمرة معاً، فهنيئاً لمن رزق هذا الفضل الكبير، نجلس ونذكر الله، نستمع إلى الهدى، وكلنا رغبة في أن نهتدي ونفوز وننجح، وفي نفس الوقت الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، فإذا صلينا ركعتي الإشراق كان ذلك أجر حجة وعمرة كاملتين، أليس هذا فضل الله؟! الحمد لله .. الحمد لله.

هذه الرسالة: [لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح:26]]، ما المراد من كلمة التقوى التي ألزمهم الله تعالى بها؟ إنها لا إله إلا الله. لِم سميت كلمة التقوى؟ لأن بها تتقى جهنم وخزي الدنيا وعذاب الآخرة.

تتقي عذاب الله -يا عبد الله- بكلمة معروفة تسمى كلمة التقوى، إذا أنت حققتها اتقيت عذاب الله، ونجوت منه، وفزت بعد ذلك بالنعيم المقيم في دار السلام، كلمة (لا إله إلا الله).

هذا بعض آية من سورة الفتح المباركة، قال تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، هذا في صلح الحديبية، وما تم فيه من أحداث عظام: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ، ألا وهي كلمة لا إله إلا الله، لا يعبد مع الله مَلَك مقرب ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح، فضلاً عن الأحجار والجمادات، فضلاً عن التماثيل والأصنام والأهواء والشهوات، إذ لا إله إلا الله.

والله الذي لا إله غيره؛ لا يوجد إله حق إلا الله، كيف تحلف على ذلك يا شيخ؟ نعم، لأن الإله الحق هو ذاك الذي خلق ورزق، وهب الحياة ومقوماتها، أوجد الملكوت العلوي والسفلي، هذا الذي يستحق أن يؤله ويعبد. أما الذي هو مربوب مخلوق مصنوع فكيف يستحق الإلهية! كيف يسمى إلهاً! كيف يعبد مع الله! وبأي نوع من أنواع العبادة التي تعبد الله بها عباده؟! لا بدعاء ولا بنداء ولا باستغفار ولا باستغاثة ولا بذبح ولا بنذر ولا بانحناء .. ولا أبداً، لا إله إلا الله.

نزول السكينة على النبي والصحابة في صلح الحديبية

هذه الآية المباركة من سورة الفتح: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:26] أتدرون ما السكينة؟ لأنها كانت فتنة عارمة؛ إنه صلح الحديبية، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي على سكرتيره .. على كاتبه: ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم )، فيقول سهيل بن عمرو ممثل قريش وسفيرها: ما نعرف الرحمن الرحيم! اكتب باسمك اللهم فقط، وإلا لا صلح. ويبكي عمر ويتألم الأصحاب، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اكتب إني رسول الله؛ هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله )، فيقول سهيل -وقد دخل في رحمة الله ورضوانه عام الفتح وأصبح من خيرة الأصحاب- ممثل قريش: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربنك، ما نقبل هذه الكلمة، اكتب: باسمك اللهم فقط. وتألم الأصحاب، وكادت نفوسهم تحترق، والرسول يتحمل، فيقول: ( اكتب يا علي )، أنا رسول الله. فهمتم الآن السكينة التي أنزلها الله عليهم؟

في هذا الوقت بالذات كادوا ينفجرون: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وهي لا إله إلا الله، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا والله من غيرهم من الخلق والناس: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا يضع كل شيء في موضعه.

هذه الآية المباركة من سورة الفتح: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:26] أتدرون ما السكينة؟ لأنها كانت فتنة عارمة؛ إنه صلح الحديبية، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي على سكرتيره .. على كاتبه: ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم )، فيقول سهيل بن عمرو ممثل قريش وسفيرها: ما نعرف الرحمن الرحيم! اكتب باسمك اللهم فقط، وإلا لا صلح. ويبكي عمر ويتألم الأصحاب، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اكتب إني رسول الله؛ هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله )، فيقول سهيل -وقد دخل في رحمة الله ورضوانه عام الفتح وأصبح من خيرة الأصحاب- ممثل قريش: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربنك، ما نقبل هذه الكلمة، اكتب: باسمك اللهم فقط. وتألم الأصحاب، وكادت نفوسهم تحترق، والرسول يتحمل، فيقول: ( اكتب يا علي )، أنا رسول الله. فهمتم الآن السكينة التي أنزلها الله عليهم؟

في هذا الوقت بالذات كادوا ينفجرون: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وهي لا إله إلا الله، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا والله من غيرهم من الخلق والناس: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا يضع كل شيء في موضعه.

مقابل هذه الآية قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: [(أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)]، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

معشر المستمعين! من لم يكن يحفظ هذه الجملة يجب أن يحفظها الآن، ولا يعود إلى مكانه الذي يقيم به إلا وهو يرددها ليحفظها، وأنا على علم يوجد كثيرون لا يهتمون بها.

لو سئلت: ما أفضل كلمة قيلت في الأرض وفي السماء؟ هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي )، وهم مائة وأربعة وعشرين ألفاً، ما هذه الكلمة التي هي أفضل كلمة؟ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، من استطاع أن يتملق إلى الله الجبار بها فليتملقه، فإنه يحبها.

وورد في فضلها فضل عظيم، يحرمه فقط المحرومون؛ وهو أن ( من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كان له الأجر عدل عشر رقاب )، كأنما أعتق في سبيل الله عشر عبيد، والعبد قد يساوي العشرة آلاف من الدنانير، ( وكتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وظل يومه ذلك كله في حرز من الشيطان )، يظل معصوماً ما يقع في معصية كبيرة أبداً من الذنوب؛ لعصمة الله تعالى له بسبب هذا الذكر العظيم، من منكم له هذا الورد؟ ولا واحد في المائة.

أسألكم بالله: لماذا خلقنا؟ لنبني العمارات، لنعبد الطرق، لنفتح المتاجر والمصانع.

أسألكم: لماذا خلقنا؟ لنأكل البقلاوة والرز واللحم؟

لا والله.. لا والله.. لا والله، ما خلقنا إلا لذكر الله تعالى وشكره فقط، ولا تمنّ على الله؛ إنه خالقك، أعطِ قيمة نفسك؛ بكم تساوي أنت؟ من وهبك سمعك؟ من أعطاك بصرك؟ من وهبك عقلك؟ من أعطاك قدرتك؟ من أوجد السماء والأرض لك؟ من .. من؟ أليس الله؟! بلى إنه الله.

ماذا يريد من خلقك؟ يريد منك أن تذكره وتشكره؛ أن تذكره بلسانك لا تفتر، وتشكره بجوارحك وبعبادتك التي تعبَّدك بها من الصلاة إلى الجهاد.

وإن قلت: إذاً لماذا نحرث .. لماذا نزرع .. لماذا نبني .. لماذا نصنع إذا خلقنا فقط للذكر والشكر؟

الجواب: إن كنت من الذاكرين الشاكرين فاجعل بناءك وصنعك .. وزراعتك وفلاحتك .. وأسفارك التجارية كلها ذكراً لله وشكرً له؛ لأنك توفر غذاء لتحتفظ بحياتك لتذكر وتشكر، لتوفر كساء يقيك الحر والبرد، لتبقى حياتك كاملة لتذكر وتشكر.

فلهذا المؤمن الحق ما يعمل من عمل إلا وهو لله، تراه يلبس ثوبه لله، تراه ينزع ثوبه لله، تراه يغتسل لله، تراه يأكل لله، وإن شككتم في هذا فاقرءوا من سورة الأنعام ما نسميه بآية الوقف الإلهي، اقرءوا قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذه الآية تمثل وقف العبد على الله، هل بعد الحياة والموت شيء؟ هذه الحياة الدنيا وتلك الدار الآخرة، محياي ومماتي لله رب العالمين.

إذاً: يا عبد الله! ويا أمة الله! حقق عبادتك لله. كل إذا أكلت مما أحل الله لك، ولا تبخل نفسك بذكر الله، كل ما تأكل من أجل الله، اشرب ما تشرب من أجل الله، امشِ إن مشيت من أجل الله، واجلس إن جلست بل ونم إن نمت من أجل الله.

وكان الصاحب الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (إني أحتسب نومتي وقومتي لله)، كل عمل لله، حتى النوم لما أنام أنام من أجل الله وأسجلها في ديوان الله، وإذا استيقظت من نومي لماذا؟ لأجل الله، نعم استيقظ ليعبد الله، وإذا نام نامَ ليستريح من الإعياء والتعب من أجل أن يجدد النشاط في عبادة الله، من هذا الصاحب؟ هذا أبو هريرة رضي الله عنه.

تعرفون عن أبي هريرة ؟ قال: (كنت أصرع في المسجد من شدة الجوع) يصيبني الجوع ويشتد بي من قلة الطعام حتى أصرع، (فيأتي صبيان المدينة فيلعبون عليّ) يطلعون فوق ظهري ويهبطون، ويقولون: (جُنّ أبو هريرة . وما بي جنون وإنما هو الجوع فقط)، ولا يمد يده ويقول: جعتُ أعطني قطعة خبز، ومر به أبو بكر فأراد أن يسأله عن آية لعله يتفطن لجوعه، فسأله ما عرف؟ جاء عمر : السلام عليكم، وعليكم السلام، ما كذا يا عمر، ما فهم، مشى، وجاء أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، جاء صلى الله عليه وسلم ماراً به، قال: ( يا رسول الله! قال: تعال أبا هريرة ) الحقني أبا هريرة إلى تلك الحجرات، ماذا فيها؟ والله لا خبز ولا تمر، ونحن كيف حالنا؟

وإذا بمهدي يهدي لرسول صلى الله عليه وسلم قدحاً من اللبن، وأبو هريرة يشاهده، فقال: ( أبا هر ! ادعُ أهل الصفة )، في تلك الدكة أكثر من ثلاثين رجلاً، مهاجرون جاءوا من مكة ومن غيرها، لا عمل ولا مال ولا دينار ولا درهم. أذكر هذا لكم لتحمدوا الله في صدق على الطعام والشراب الذي يملأ بطوننا، ثلاثين جياعاً، فقال لـأبي هريرة : ( اسقِ القوم أبا هريرة ! قال: قلت في نفسي: ماذا يبقى من هذا الشراب؟ ماذا أشرب؟! فأعطى الأول والثاني والثالث .. ثلاثين، ثم قال: اشرب أبا هريرة ! قال: فشربت .. فشربت .. فشربت، فقال: اشرب. قلت: لم أجد له مسلكاً يا رسول الله! وأعطى القدح للرسول صلى الله عليه وسلم فشرب )، شرب فضلة واحد وثلاثين، ونحن الآن ما نشرب في كأس واحد، تضع طعاماً لخمسة .. ستة، كل واحد تضع له كأساً، حتى ما يشرب في فضل في كأس آخر، من أين ورثنا هذه السنة الإبليسية الغربية الشيطانية؟! سؤر المؤمن شفاء، فضلة الماء المؤمن يشرب فيه الشفاء، ولكن غشّانا الجهل وغطانا ومشينا وراء أعدائنا، فورثنا عنهم هذه الأباطيل.

عشرة أنفار كل واحد تضع له كأساً ليشرب فيه! لماذا ما يشربون في كأس واحدة؟ وتسعة أكؤس تصدق بثمنها على أولئك الفقراء والمساكين، ولكن الجهل مخيم علينا. هذا أبو هريرة !

ونعود إلى هذا الحديث الشريف: ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي )، ماذا يرحمكم الله؟ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، وردها كم مرة تقال؟ مائة مرة.

أسألكم بالله: من يعجز عن أن يقول هذا الورد؟ سائق الطيارة والله ما يعجز .. سائق السيارة المقود في يده وهو يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير .. ماشٍ على رجليه إلى منزله أو مصنعه، يقولها وهو يمشي، ما هو شرط أن يقولها وهو جالس أبداً، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

من يعدنا بأن لا يترك هذا الورد حتى يموت؟ ما شاء الله! ثلاثة .. أربعة، كلنا؟ إي نعم، والله كلنا لا نترك هذا الورد حتى الموت: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير )، هذا وردنا حتى نلقى ربنا عز وجل.

قال غفر الله له: [بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. مقدمة رسالة ( لا إله إلا الله): الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:]. هذه مقدمة الرسالة.

الذكرى تنفع المؤمن الصادق

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ فهل هناك مؤمن صادق لا تنفعه الذكرى؟].

سؤال: هل هناك مؤمن صادق في إيمانه لا تنفعه الذكرى؟ والله لا يوجد.

ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا إذا ذُكّر نفعته الذكرى؛ وذلك لكمال حياته؛ لأنه حي بروحه الطاهر، يسمع ويبصر، يقول ويأخذ ويعطي، وهذا الذي قررناه دائماً، المؤمن الحق حي، والكافر ميت، والمؤمن الضعيف الإيمان مريض.

أقرر هذه الحقيقة معشر المستمعين! لعلكم ما سمعتموها، اعلموا أن المؤمن الحق حيّ، يسمع، يبصر، يعطي، يأخذ، يجيء، يذهب، لكمال حياته. إذا سمع النداء أنْ (حي على الصلاة) نهض وأقبل على بيت الله. إذا نودي (هلم إلى الجهاد) قبل وطار برجليه وجناحيه إن كان له جناحان.

وأما الكافر ميت لا يسمع ولا يبصر. يا شيخ! كيف تقول: لا يسمع ولا يبصر! هل سمع النداء: (آمنوا بالله) وآمن؟ والله ما آمن، هل يسمع (حي على الصلاة) فأقبل عليها. إذاً ميت، كيف نقول فيه: حي! ميت، ما يبصر، هل رأى الكواكب والشمس والقمر والكون؟ لو رآهما لقال: من خلق هذا؟ من أوجد هذه العوالم؟ نريد أن نعرفه؟ أين يوجد؟ ما أسماؤه؟ ماذا يطلب؟ كيف يستطيع أن نعيش معه؟ من هو هذا؟ حتى يجد من يقول له: إنه الله.

ما يبصر؛ لا سماء ولا شمس ولا قمر، أعمى.

والبرهنة التي نذكرها للسامعين: أهل الذمة لما يكونون في بلادنا الإسلامية هل يؤمرون بالصيام؟

الآن في مصر وسوريا والعراق يوجد كفار نصارى، هل يصبحون اليوم صائمين؟ الجواب: لا، هل نأمرهم بالصيام؟ الجواب: لا، لماذا؟ أموات، تأمر الميت أن يصوم؟!

هل إذا نودي لصلاة الجمعة يأتون يصلون الجمعة، نكلفهم بهذا؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنهم أموات، وهل الميت يكلف؟! فإذا نفخت فيه روح (لا إله إلا الله) فآمن، حينئذ مره يطعك، اطلب ويعطيك، ناده ويسمعك لكمال حياته.

فهل هناك مؤمن صادق لا تنفعه الذكرى؟ الجواب: لا، لا.

المسئولية تشمل جميع المسلمين عدا المجانين والأطفال

قوله غفر الله له: [وهل هناك مؤمن واحد غير مسئول في الأمة الإسلامية من غير المجانين والأطفال؟]

هذا السؤال تأملوه يفتح الله عليكم: هل يوجد مؤمن واحد غير مسئول في الأمة الإسلامية عرب وعجم من غير المجانين والأطفال؟ المجانين والله غير مسئولين، لا يؤمرون بصلاة ولا زكاة، والأطفال الصغار مثلهم، وإنما نأمرهم بالصلاة من سبع سنين من باب تربيتهم على الإيمان والإسلام، نأمرهم بالصيام إذا بلغوا العاشرة أو الحادية عشرة تمريناً لهم، لكن ليس أمر إلزام وإيجاب أبداً. لا يلزم ولا يكلف إلا العاقل البالغ من أمة لا إله إلا الله.

فلاحظ: هل هناك مؤمن واحد غير مسئول في الأمة الإسلامية من غير المجانين؟ تقول: لا، والله لا يوجد، ما منا إلا مسئول.

تفكك أمة الإسلام من مظاهر الضعف والانحطاط

قوله غفر الله له: [وهل هناك عاقل واحد يطمئن اليوم إلى حال الأمة الإسلامية أو يرضى بما هي عليه من ضعف وتفكك وهون ودون؟]

الآن والحمد لله أصبحت هذه الآلات المخترعة بتوفيق الله، هذه الهواتف والأسلاك الشائكة إلى غير ذلك، الآن هذا الدرس الذي تسمعونه في الإمكان أن يُسمع في العالم الإسلامي بكامله، هذا أمر عجيب أو لا؟! ويؤذن المؤذن وفي الإمكان أن يسمعه كل مؤمن ومؤمنة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟

من مظاهر التخلف والضعف والانحطاط: أن هذه المواصلات والاتصالات ما استفدنا منها، لو استفدنا منها لكنا نصوم ونفطر في يوم واحد، من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً.

نقول: يا خادم الحرمين! حفظك الله، وليناك على أمرنا في هذه القضية، تعلنون ليلة رمضان للعالم الإسلامي بالصيام، وليلة العيد بالإفطار، فإذا أعلنوا صامت الأمة كلها مع بعضها البعض .. أعلن عن الإفطار كذلك، وفيه نوع من الراحة والسعادة أو لا؟ أمة واحدة، مظهر من المظاهر، لكن هل هذا يقع؟ ما وقع، بكينا وصرخنا من أربعين سنة؛ لأنها أمة مشتتة ممزقة هابطة. هذا مظهر من مظاهر الضعف؛ ولهذا قال المؤلف: [وهل هناك عاقل واحد يطمئن اليوم إلى حال الأمة الإسلامية، أو يرضى بما هي عليه من ضعف وتفكك وهون ودون].

التدهور الديني والخلقي لأمة الإسلام

قوله غفر الله له: [وهل هناك مصلح مخلص يرضى بالتدهور الديني والخلقي الذي عليه أمة الإسلام اليوم، وهل هناك بلد غير نجد قد سلمت عقيدة أغلبية بنيه من الخرافات والشركيات والضلالات؟]

هذه لطيفة! لما صدرت هذه الرسالة من اثنين وأربعين سنة، هذه الجملة اهتز لها مئات، لماذا هذا الشيخ يقول: إلا نجد؟ هذا يتملق .. هذا يريد كذا، ويضحكون وهم علماء وجهال.

لا إله إلا الله.. يا جماعة! يا عباد الله! أتحداكم إن كنت كاذباً: هل يوجد غير نجد بلد ما فيه قباب تعبد، دلونا؟ هل يوجد غير نجد ما فيه من يحلف بغير الله؟ هذا المكان طهره الله بواسطة عبد مؤمن، فما بقي فيه قبر يعبد ولا من يحلف بغير الله، ولماذا نكتب رسالة (لا إله إلا الله)! أليس لهداية الناس وإصلاحهم، وبيان الطريق لهم، والشاهد من هذا ضعف هذه الأمة وهبوطها.

ثم قال غفر الله له: [وهل يمكن أن يكون الجواب بغير (لا) وفي هذه التساؤلات كلها؛ ولهذا فإني لم أتوانَ في إصدار هذه الرسالة ونشرها بين المسلمين غير ملتفت إلى كل ما من شأنه أن يحول دون ذلك من اعتبارات؛ سواء كانت فنية تتعلق بمادة الرسالة وموضوعها وأسلوبها، أو غير فنية تتعلق بالظروف والأحوال والنفسيات والمناسبات.

وأنا أؤمن بأني قد قدمت خيراً، وأديت واجباً، وأن الرسالة ستجد تقديراً بين كافة أهل التوحيد والإصلاح الذين لا هم لهم في الحياة إلا أن يعبدوا الله وحده وينصروا دينه ويُعلوا كلمته، وأن ينتظم شأن هذه الأمة، ويصلح حالها، وتسعد في دنياها وأخراها.

حقق الله آمالهم، وأكثر أمثالهم، واحفظ اللهم بهم دينك، وأعز بهم سلطانك، إنك وليهم القادر على نصرهم، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم].