معنى لا إله إلا الله -3


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع معنى (لا إله إلا الله)، وأعيد إلى أذهانكم أن (لا إله إلا الله) هي كلمة التقوى، إذ قال تعالى في كتابه العزيز: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26]. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أفضل كلمة فقال: ( أفضل كلمة قلتها أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ). وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن ( من مات وآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )، فمن مات وكان آخر ما تكلم به هو لا إله إلا الله دخل الجنة.

ولـ (لا إله إلا الله) معنى جليل عظيم، فهيا نتدارسه.

قال: [ معنى لا إله إلا الله الإجمالي] غير التفصيلي [هو: لا معبود بحق في الوجود إلا الله ] ما معنى لا إله إلا الله؟ معناها: لا معبود يعبد بحق في الوجود السماء والأرض إلا الله، وهو كذلك، لا معبود بحق في الوجود كله إلا الله، لماذا؟ [لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب والإله معاً]، الله رب وإله معاً، وكونه رباً يستلزم أن يكون إلهاً؛ لأن لفظ الرب معناه: الخالق الرازق المحيي المميت المدبر، فهذا الذي ينبغي أن يعبد فيؤله، فلا يكون معبوداً حتى يكون رباً، وسائر المعبودات التي عبدت من دون الله ما كانت أرباباً خالقة رازقة محيية مميتة أبداً، بل كانت مخلوقة مرزوقة أحياها الله وأماتها، فلا تستحق أبداً أن تعبد مع الله.

قال: [فإنه ما أُله عز وجل ويؤله إلا من أجل كونه الرب عز وجل]، أي: كونه خالقاً رازقاً محيياً مميتاً معزاً مذلاً، وهذا الذي استوجب له أن يعبد وحده ولا يعبد معه سواه؛ لأن سوى الله تعالى مخلوق مربوب، أحياه الله ويميته ويحييه، فلا حق له أن يعبد مع الله بأي نوع من أنواع العبادات.

تعريف الرب والإله في اللغة والحقيقة

قال: [فالرب لغة] أي: في لسان العرب، الرب معناه: [السيد المدبر والمصلح المتصرف، والإله: هو المعبود، واشتق لفظ إله من ألهه يألهه إذا عبده]، أله فلان فلاناً يألهه إذا عبده، ذل له واستكان بين يديه وأطاعه فيما يأمره فيه وينهاه عنه مع حبه العظيم له وخوفه منه عز وجل.

إذاً: فالرب لغة هو السيد المدبر المصلح المتصرف، والإله هو المعبود، مشتق من لفظ ألهه يألهه إذا عبده.

قال: [أما الرب في الحقيقة وفي غير عرف اللغة فهو: بديع السماوات والأرض وقيومهما وموجد الكائنات والمتصرف فيها]، أي: مبدعهما وموجدهما على غير مثال سابق.

قال: [الله الذي له الخلق وبيده الأمر والملك، وهو على كل شيء قدير. واسمه الذي هو علم على ذاته] كالأعلام عندنا: هذا إبراهيم وهذا صالح وهذا عثمان، كل اسم يدل على ذات معينة تعرف به، فالاسم الدال على ذات الله عز وجل هو: الله.

قال: [واسمه الذي هو علم دال على ذاته سبحانه وتعالى هو الله، الذي أقسم سبحانه وتعالى أنه ما ذكر على شيء إلا بارك فيه]، فقد روى ابن كثير في تفسيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الريح، وماج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله بعزته وجلاله أنه لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه )، لا يسمى اسم الله على شيء إلا بارك فيه، سواء في الأكل، في الشرب، في اللباس، في الركوب، في النزول، ما يسمى اسم الله على شيء إلا بارك تعالى في ذلك الشيء.

قال: [ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]]. أَلا انتبهوا، اسمعوا، لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ هو الذي يخلق، هو الذي يأمر، هو الذي يعبد. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما يقرأ هذه الآية: (من بقي له شيء فليطلبه)، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ بقي شيء؟ (من بقي له شيء فليطلبه)، ولم يبق شيء؛ إذ الخلق له والأمر له عز وجل.

قال: [ولما كان له الخلق وحده فالأمر إذاً له وحده]، إذ من خلقه؟ الذي يأمر وينهى.

قال: [وأما الإله في الحقيقة أيضاً وفي غير عرف اللغة] فالإله معناه: [المستحق للعبادة بكامل أنواعها وبجميع أجزائها دون من سواه، وذلك هو الله رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، الله الذي تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره].

أسلوب دعوة القرآن الكريم إلى معرفة الله

قال: [والآن وقبل أن أعرض بالبحث لما أحدثه مدلول كلمتي الرب والإله اللغوي من خلاف في فهم مدلولهما الحقيقي. هنا أذكر أسلوب دعوة القرآن الكريم إلى معرفة الله]؛ دعوة القرآن إلى الناس لتعريفهم بالله عز وجل، [وإلى أنه هو الذي ينبغي] ويلزم [أن يكون الإله]، أي: المعبود [لا غيره. وأسلوب القرآن في ذلك منطقي عقلي تماماً، فهو يقرر: أن الله ما استحق العبادة دون سواه إلا لكونه رباً]، أي: ما استحق الله العبادة دون سواه من الكائنات إلا لأنه رب؛ [لأن من لم يكن رباً لا يكون إلهاً]، وقطعاً من لا يكون رباً خالقاً رازقاً مدبراً محيياً مميتاً لا يستحق أن يكون إلهاً، [فالربوبية تستلزم الألوهية، والعكس أيضاً صحيح]، أي: كل رب إله، وكل إله حق رب، ولا يوجد إلا رب واحد وإله واحد، الله رب كل شيء ومليكه. فالله أصبح رباً لأنه خلق ورزق، وإلهاً لأنه رب، وما دام رباً يجب أن يعبد؛ إذ بيده كل شيء الحياة والموت، وإلا فهو ليس بإله يستوجب الطاعة والعبادة.

قال: [فقد جاءت آيات القرآن الكريم بتقرير ربوبية الله أولاً، ثم تدعو إلى وجوب إلهيته دون من سواه، فقوله جلت قدرته: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]. وقوله تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] لم؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ].

قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ لو قلت: من ربنا؟ لكان الجواب: الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم. وإن قلت: لم نعبده؟ الجواب: من أجل أن تتقوا عذابه وسخطه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

من ربنا؟ زد بياناً: [ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]] إذاً: [ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]] أنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]] لماذا كان الحمد له؟ لأنه رب العالمين، خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، ولا يحمد من يحمد إذاً؟ يحمد من لا يخلق ولا يرزق؟! أيحمد المخلوق المرزوق كيف؟! فالحمد الحق لله وحده دون سواه، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] .

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]] أي: أن خالق السماوات والأرض هو الذي ينبغي أن يحمد، فهو الذي أوجد الظلمات وأوجد النور، والحياة متوقفة على هذا، فهو الذي يستحق أن يعبد.

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1]] أي: خالقهما، [ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر:1]] يرسلهما إلى أنبيائه ومن شاء، [ أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر:1]، فحمده تعالى هو عبادته]، فالذي خلق السماوات والأرض والملائكة، وجعل لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك هو جبريل عليه السلام رسول الوحي والله له ستمائة جناح، جبريل الذي كان يتردد على رسولنا في هذا المسجد وفي تلك الحجرة كم أجنحته؟ والله ستمائة جناح، رآه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تجلى له حول المسجد الحرام في جياد، وناداه: أنت محمد وأنا جبريل، أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ستمائة جناح! والذي ما يخلق ذبابة كيف يعبد؟ نوع طير بأجنحته، فكل المعبودات دون الله والله ما تخلق ذبابة، ولو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابة ما خلقوها، كيف يعبدون مع الله؟ ومع هذا عبدت آلهة بالآلاف، ومن أضلهم وأفسد عقيدتهم وعقولهم؟ الشيطان عدو الإنسان.

قال: [وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]] أي: خافوه وارهبوه، لأن حياتكم بيده ومصيركم إليه، اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] ما قال: اتقوا عدوكم. اتقوا خالقكم، رازقكم، مميتكم، محييكم، [ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]] من هو هذا الرب؟ هذا الله رب العالمين، هذا ولينا وربنا، وهو الرحمن الرحيم.

اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] يريد آدم عليه السلام، إذ خلق من جنبه الأيسر.. من ضلعه الأيسر حواء، ومنهما بث هذا الخلق في هذا العالم بالبلايين من البشر، هذا الذي يستحق أن يعبد أو غيره؟! اعبدوا ربكم، أطيعوه، استجيبوا له، أحبوه، ارغبوا فيما عنده، ارهبوا فيما لديه، هذا شأن العبادة.

قال: [فهذه الآيات القرآنية الكريمة الحكيمة وأشباهها تثبت أولاً: دعوى الربوبية لله سبحانه وتعالى، وأنه الرب الحق]، لماذا؟ [لأنه الخالق المدبر المتصرف، ثم تثبت له دعوى الألوهية؛ لأن من كان خالقاً مدبراً متصرفاً هو الذي يستحق أن يحمد ويعبد، وأن يتقى ويرهب دون من سواه، فالذي خلق وملك ودبر كيف شاء وتصرف هو الرب الحق، والرب الحق هو الذي ينبغي أن يؤله ويعبد فتصرف له جميع أنواع العبادات، وتقدم له سائر القربات والطاعات].

قال: [فالرب لغة] أي: في لسان العرب، الرب معناه: [السيد المدبر والمصلح المتصرف، والإله: هو المعبود، واشتق لفظ إله من ألهه يألهه إذا عبده]، أله فلان فلاناً يألهه إذا عبده، ذل له واستكان بين يديه وأطاعه فيما يأمره فيه وينهاه عنه مع حبه العظيم له وخوفه منه عز وجل.

إذاً: فالرب لغة هو السيد المدبر المصلح المتصرف، والإله هو المعبود، مشتق من لفظ ألهه يألهه إذا عبده.

قال: [أما الرب في الحقيقة وفي غير عرف اللغة فهو: بديع السماوات والأرض وقيومهما وموجد الكائنات والمتصرف فيها]، أي: مبدعهما وموجدهما على غير مثال سابق.

قال: [الله الذي له الخلق وبيده الأمر والملك، وهو على كل شيء قدير. واسمه الذي هو علم على ذاته] كالأعلام عندنا: هذا إبراهيم وهذا صالح وهذا عثمان، كل اسم يدل على ذات معينة تعرف به، فالاسم الدال على ذات الله عز وجل هو: الله.

قال: [واسمه الذي هو علم دال على ذاته سبحانه وتعالى هو الله، الذي أقسم سبحانه وتعالى أنه ما ذكر على شيء إلا بارك فيه]، فقد روى ابن كثير في تفسيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الريح، وماج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله بعزته وجلاله أنه لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه )، لا يسمى اسم الله على شيء إلا بارك فيه، سواء في الأكل، في الشرب، في اللباس، في الركوب، في النزول، ما يسمى اسم الله على شيء إلا بارك تعالى في ذلك الشيء.

قال: [ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]]. أَلا انتبهوا، اسمعوا، لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ هو الذي يخلق، هو الذي يأمر، هو الذي يعبد. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما يقرأ هذه الآية: (من بقي له شيء فليطلبه)، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ بقي شيء؟ (من بقي له شيء فليطلبه)، ولم يبق شيء؛ إذ الخلق له والأمر له عز وجل.

قال: [ولما كان له الخلق وحده فالأمر إذاً له وحده]، إذ من خلقه؟ الذي يأمر وينهى.

قال: [وأما الإله في الحقيقة أيضاً وفي غير عرف اللغة] فالإله معناه: [المستحق للعبادة بكامل أنواعها وبجميع أجزائها دون من سواه، وذلك هو الله رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، الله الذي تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره].

قال: [والآن وقبل أن أعرض بالبحث لما أحدثه مدلول كلمتي الرب والإله اللغوي من خلاف في فهم مدلولهما الحقيقي. هنا أذكر أسلوب دعوة القرآن الكريم إلى معرفة الله]؛ دعوة القرآن إلى الناس لتعريفهم بالله عز وجل، [وإلى أنه هو الذي ينبغي] ويلزم [أن يكون الإله]، أي: المعبود [لا غيره. وأسلوب القرآن في ذلك منطقي عقلي تماماً، فهو يقرر: أن الله ما استحق العبادة دون سواه إلا لكونه رباً]، أي: ما استحق الله العبادة دون سواه من الكائنات إلا لأنه رب؛ [لأن من لم يكن رباً لا يكون إلهاً]، وقطعاً من لا يكون رباً خالقاً رازقاً مدبراً محيياً مميتاً لا يستحق أن يكون إلهاً، [فالربوبية تستلزم الألوهية، والعكس أيضاً صحيح]، أي: كل رب إله، وكل إله حق رب، ولا يوجد إلا رب واحد وإله واحد، الله رب كل شيء ومليكه. فالله أصبح رباً لأنه خلق ورزق، وإلهاً لأنه رب، وما دام رباً يجب أن يعبد؛ إذ بيده كل شيء الحياة والموت، وإلا فهو ليس بإله يستوجب الطاعة والعبادة.

قال: [فقد جاءت آيات القرآن الكريم بتقرير ربوبية الله أولاً، ثم تدعو إلى وجوب إلهيته دون من سواه، فقوله جلت قدرته: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]. وقوله تعالى ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] لم؟ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ].

قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ لو قلت: من ربنا؟ لكان الجواب: الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم. وإن قلت: لم نعبده؟ الجواب: من أجل أن تتقوا عذابه وسخطه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

من ربنا؟ زد بياناً: [ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]] إذاً: [ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]] أنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]] لماذا كان الحمد له؟ لأنه رب العالمين، خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، ولا يحمد من يحمد إذاً؟ يحمد من لا يخلق ولا يرزق؟! أيحمد المخلوق المرزوق كيف؟! فالحمد الحق لله وحده دون سواه، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] .

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]] أي: أن خالق السماوات والأرض هو الذي ينبغي أن يحمد، فهو الذي أوجد الظلمات وأوجد النور، والحياة متوقفة على هذا، فهو الذي يستحق أن يعبد.

قال: [وقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1]] أي: خالقهما، [ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر:1]] يرسلهما إلى أنبيائه ومن شاء، [ أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر:1]، فحمده تعالى هو عبادته]، فالذي خلق السماوات والأرض والملائكة، وجعل لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك هو جبريل عليه السلام رسول الوحي والله له ستمائة جناح، جبريل الذي كان يتردد على رسولنا في هذا المسجد وفي تلك الحجرة كم أجنحته؟ والله ستمائة جناح، رآه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تجلى له حول المسجد الحرام في جياد، وناداه: أنت محمد وأنا جبريل، أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ستمائة جناح! والذي ما يخلق ذبابة كيف يعبد؟ نوع طير بأجنحته، فكل المعبودات دون الله والله ما تخلق ذبابة، ولو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابة ما خلقوها، كيف يعبدون مع الله؟ ومع هذا عبدت آلهة بالآلاف، ومن أضلهم وأفسد عقيدتهم وعقولهم؟ الشيطان عدو الإنسان.

قال: [وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]] أي: خافوه وارهبوه، لأن حياتكم بيده ومصيركم إليه، اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] ما قال: اتقوا عدوكم. اتقوا خالقكم، رازقكم، مميتكم، محييكم، [ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1]] من هو هذا الرب؟ هذا الله رب العالمين، هذا ولينا وربنا، وهو الرحمن الرحيم.

اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] يريد آدم عليه السلام، إذ خلق من جنبه الأيسر.. من ضلعه الأيسر حواء، ومنهما بث هذا الخلق في هذا العالم بالبلايين من البشر، هذا الذي يستحق أن يعبد أو غيره؟! اعبدوا ربكم، أطيعوه، استجيبوا له، أحبوه، ارغبوا فيما عنده، ارهبوا فيما لديه، هذا شأن العبادة.

قال: [فهذه الآيات القرآنية الكريمة الحكيمة وأشباهها تثبت أولاً: دعوى الربوبية لله سبحانه وتعالى، وأنه الرب الحق]، لماذا؟ [لأنه الخالق المدبر المتصرف، ثم تثبت له دعوى الألوهية؛ لأن من كان خالقاً مدبراً متصرفاً هو الذي يستحق أن يحمد ويعبد، وأن يتقى ويرهب دون من سواه، فالذي خلق وملك ودبر كيف شاء وتصرف هو الرب الحق، والرب الحق هو الذي ينبغي أن يؤله ويعبد فتصرف له جميع أنواع العبادات، وتقدم له سائر القربات والطاعات].

معشر المستمعين والمستمعات! خلاصة القول: لا يستحق كائن العبادة حتى يكون رباً. فمن لم يكن رباً لا حق له في أن يعبد أبداً، والرب من هو؟ الخالق الذي خلق هذه العوالم كلها، الرازق الذي أوجد الأقوات والأرزاق وقاد الناس إليها، المدبر يميت ويحيي ويعطي ويمنع ويعز ويذل ويرفع ويضع، المتصرف في الكون كيف يشاء، ذلكم هو الله، هذا الرب اسمه الله جل جلاله، وليس له اسم واحد، له تسعة وتسعون اسم، مائة إلا اسماً واحداً، لكن هذا الاسم الأعظم، الله إذا ذكر دلت على ذات الرب عز وجل، لا ينطبق على كائن آخر أبداً، فلهذا لا يصح أن تسمي مولوداً من أولادك الله، إذ هذا خاص بالرب الخالق عز وجل.

فلما كان رباً وجب أن يعبد، لما كان خالقي ورازقي وحياتي بيده ومماتي بيده ما نعبده؟! نتعرض لسخطه وغضبه، كيف لا أعبده وهو واهب حياتي ومعطيني كل وجودي؟! فهو ربي إذاً وإلهي، فالله جل جلاله رب السماوات والأرض رب العالمين، فهو يجب ألا تعبد الخليقة إنسها ولا جنها إلا هو عز وجل.