معنى لا إله إلا الله -5


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع كلمة التقوى: لا إله إلا الله؛ إذ قال تعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح:26]، فاللهم اجعلنا من أهلها ومن أحق الناس به، إنك ولينا، ولا ولي لنا سواك.

وكلمة التقوى: لا إله إلا الله هي تلكم الكلمة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير ).

وعلمنا فيما سبق أن الإله هو المعبود، فمعنى (لا إله) لا معبود، والذي يعبد ينبغي أن يكون رباً أولاً، وإذا كان رباً صح أن يكون إلهاً معبوداً، أما إذا لم يكن رباً بل كان مربوباً فليس من حق أحد أن يؤلهه ويعبده؛ إذ لا يستحق العبادة إلا الرب؛ لأن كلمة الرب -كما علمنا- معناها الخالق الرازق المدبر المحيي المميت المعز المذل المعطي.

إذاً: فالرب هو الذي ينبغي أن يعبد، والله عز وجل قرر هذا في كتابه العزيز، وقد قرأنا الآيات الدالة على هذا المعنى فيما سبق الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1]، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

إذاً: فلا يكون الإله معبوداً بحق إلا إذا كان رباً أولاً، فالربوبية أولاً، والألوهية ثانياً، فلا يكون إلهاً حتى يكون رباً، ومن لم يكن رباً لا يكون إلهاً بحق، وعلى سبيل المثال: هل عيسى ابن مريم -وهو معبود من قبل النصارى- يستحق أن يعبد؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه مربوب، مخلوق، والدته مخلوقة، فكيف يستحق الإلهية ويقال فيه: إله ويعبد؟!

وكذلك أصنام المشركين وأحجارهم وتماثيلهم التي ألهوها وعبدوها بالذبح والنذر لها، والحلف بها، والعكوف حولها، هل تستحق ذلك؟ الجواب: لا والله، لماذا؟ لأنها ما خلقت ولا رزقت، ولا أماتت ولا أحيت، ولا أعطت ولا منعت، فلا تستحق أبداً أن تعبد مع الله، ولهذا تقرر أنه لا إله إلا الله.

أما الآيات الدالة -والآية بمعنى العلامة- أي: العلامات الدالة على ربوبية الله وألوهيته، وأنه رب كل شيء وإله الأولين والآخرين فهي نوعان: تنزيلية وكونية.

وبعبارة سهلة: كيف تعرف الله؟ بم تعرفه؟

الجواب: أعرفه بالآيات والعلامات الدالة عليه.

لو قيل لك: هل عرفت الله؟ فتقول: نعم.

فيقال لك: بم عرفته؟ دلني على الصفات الدالة عليه؟

فتذكر له من الآيات الدالة على وجود الله وربوبيته وألوهيته، وبذلك تكون قد عرفته، فإذا عرفته أمكنك أن تعبده، وسهل عليك أن تحبه وتخشاه، وأن تطيعه ولا تعصيه، وفي صلاة الصبح سمعنا قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فلا يخشى اللهَ خشية حقيقية إلا العالم بالله عز وجل، والذي ما عرفه كيف يعبده؟ كيف يحبه؟ كيف يرهبه ويخشاه وهو ما عرف جلاله ولا كماله ولا عزته ولا سلطانه؟!

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] أما الجاهلون فما يخشون الله عز وجل، وما يخافونه، وما ترتعد فرائصهم خوفاً منه أبداً لجهلهم.

فلهذا أقول للمستمعين والمستمعات: الله يعرف بالآيات الدالة عليه، سلموا هذه الحقيقة .. الله جل جلاله يعرف بالآيات أي: بالعلامات الدالة عليه، فإذا عرفه عبده أطاعه وأحبه وخافه، فإذا لم يعرفه يصعب عليه أن يطيع أو يخاف أو يرهب ويخشى، وفي هذه الآيات يقول تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] انظروا، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ أي: علامات لمن؟ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، فمن أراد أن يعرف الله معرفة حقيقية فعليه بالنظر في الآيات أي: العلامات الدالة على الله عز وجل على وجوده أولاً وعلى علمه المحيط بكل شيء، وعلى قدرته التي لا يعجزها أي شيء، وعلى حكمته التي لا يخلو منها شيء.

قال المؤلف: [والآيات الدالة على وجود الله عز وجل نوعان: آيات تنزيلية وآيات كونية]. فالآيات التنزيلية التي نزلت من عنده هي القرآن الكريم، والآيات التنزيلية بمعنى المنزلة، من نزلها؟ الله. من أين نزلها؟ من فوق هذا العالم، من فوق العرش .. نزلت من فوق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي آيات القرآن الكريم.

وبودي وخاصة العوام أن يذكروا هذا ولا ينسوه: بم يعرف الله يرحمكم الله؟ يعرف بماذا؟ بآياته التنزيلية والكونية، هل يعرف بشيء غير هذا؟ لا يعرف الله أي: لا يعلم به ويعرف معرفة حقيقية إلا بواسطة الآيات التنزيلية والكونية، وهو المنزل للآيات التنزيلية والخالق للآيات الكونية.

والآيات التنزيلية كم ألف؟ ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، وكل آية تدل دلالة قطعية على وجود الله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، نعم ستة آلاف ومائتين وأربعين آية حواها كتابه العزيز القرآن الكريم من كلمة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] إلى قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:6]، فهذه الآيات الستة آلاف ومائتين وأربعين آية كل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وإن شئتم حلفت لكم بالله ما من آية إلا وتدل دلالة قطعية الشك على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فإن قلت: كيف؟ بيَّن لنا هذا؟ نقول: أول آية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هذه آية نزلت من عند الله أو لا؟ فهل يعقل أن ينزل آية تحمل الهدى والعلم وهو غير موجود؟ هل يوجد كلام بدون متكلم؟ يعقل هذا؟ هذا كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فهذه الآية دالة على وجود الله منزلها وموحيها وعلى علمه وقدرته وحكمته. ومن نزلت عليه يكون غير رسول؟ مستحيل، لا بد وأن يكون رسولاً، فكل آية تقرر معنى: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهيا نجتهد حتى نعلم، وحتى نرزق خشية الله عز وجل إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

أكرر الآيات الدالة على وجود الله وعلمه وربوبيته وقدرته وحكمته وجلاله وكماله نوعان: نوع أول ونوع ثانٍ. ما هما النوعان؟ الآيات التنزيلية التي نزلت وهي القرآن الكريم، والآيات الكونية هذه الموجودات في الكون؛ من وجودي أنا إلى وجودك أنت، ومن سمعي وبصري إلى سمعك وبصرك.. كل ذرة في الكون موجودة فمن أوجدها؟!

الآيات التنزيلية هي آيات القرآن الكريم

ثم قال المؤلف: [فالآيات التنزيلية هي آيات القرآن الكريم الذي تحدى به الله منزله بُلغاء العرب وفصحاءهم على الإتيان بمثله أو ببعض مثله كالسورة الواحدة أو السور القليلة فعجزوا، وتحدى الإنس والجن عامة على الإتيان بمثله فعجزوا]، أما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] فهل استطاع الإنس والجن أن يأتوا بقرآن سمعتم كالقرآن الكريم؟ مستحيل. وتحدى بعشر سور قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] عجزوا، وتحداهم بسورة وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] سبحان الله! وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] هل فعلوا؟ كم سنة مضت؟ كم عام مضى؟ ألف وأربعمائة، هل استطاع واحد أن يأتي بآية ويقنع البشرية أن هذا من كلام الله؟ هل فعل أحد؟ لا، لأن الله قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] فما عليكم إذاً إلا أن تتقوا النار وتقوا وجوهكم منها.

قال: [وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [يونس:38]] أي: محمد كذب هذا القرآن من عنده، [ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس:38]، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13]، وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]] أي: معيناً وناصراً.

ثم قال: [فهذا الكتاب المعجز بألفاظه ومعانيه]، القرآن الكريم معجز بالألفاظ فما يستطيع واحد يأتي بمثلها، ومعجز بالمعاني التي يحملها، فلا يقوى مخلوق على أن يأتي بمثل المعاني التي يحملها القرآن الكريم.

قال: [نزل على النبي الأمي الذي ما دخل كتَّاباً قط ولا عرف مدرسة البتة]، هذه هي المعجزة، نزل على عبد أمي، تعرفون الأمي؟ العوام يعرفونه، هو الذي ما زال في حجر أمه يقول: يا أمي! يا أمي! ما دخل مدرسة ولا كتَّاب، فنبينا صلى الله عليه وسلم -ما هو نبينا خاصة بل نبي البشرية والجن عامة- ما كان يقرأ ولا يكتب، وعاش أربعين سنة في مكة ما فيها مدرسة ولا كتَّاب، ولا يعرف يقرأ ولا يكتب، أبعد أربعين سنة يأتي بهذه العلوم والمعارف من تلقاء نفسه؟! مستحيل، لا بد وأنه تلقاها من ذي العلم العظيم.

قال: [فبزَّ البلغاء] بزهم: غلبهم وعلا فوقهم [وأفحم الفصحاء، وفاق الحكماء] هذا كله والله حق.

ثم قال: [هذا القرآن آية واضحة وبرهان ساطع وحجة قاطعة فاصلة على أنه منزل من عند الله بحروفه ومعانيه، وأن الله تعالى هو منزله، فهو دليل قاطع وبرهان قوي على وجود منزله وعلى نبوة من نزل عليه، وأرسل به وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم].

تأملتم هذه؟ هذا القرآن عظيم دال دلالة قطعية على وجود من نزله أو لا؟ كيف ينزل هذا الكتاب من السماء ولا يوجد من أنزله؟ أي عقل يقول هذا؟ مستحيل، فالقرآن دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، وهو دال أيضاً على نبوة من نزل عليه ورسالته، فلو لم يكن رسول الله كيف يوحي إليه وينزل عليه الكتاب؟

فلهذا قلت وأعيد: ما من آية من ستة آلاف ومائتين وأربعين إلا وهي تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه الجملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) عرفنا من فضلها أن من مات وهي آخر كلامه دخل الجنة مهما كان ومن أي جنس كان، فما من إنسان أو جان يلفظ هذا اللفظ وهو يموت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلا دخل الجنة، ولو دخل النار وعذب ومحيت ذنوبه لا بد وأن يدخل دار النعيم؛ لأنها حسنة تفوق كل الحسنات، ولكن اسألوا الله أن يتوفانا عليها. كم وكم من إنسان مات وهو يغني، وقد قالوا عن شخص مشغول بالأغاني من أم كلثوم إلى الأطرش إلى فلان، أنه لما وقع وإذا به يغني حتى مات، والذين يلازمون لا إله إلا الله دائماً على ألسنتهم ففي الغالب أنهم يموتون عليها.

ماهية الآيات الكونية

ثم قال: [أما الآيات الكونية فهي هذه الآيات التي يقف العقل البشري عندها مدهوشاً محتاراً لا يعرف لها علة، ولا يجد لها سبباً مثل آية الشمس والقمر والليل والنهار وغيرها].

انظر إلى الشمس ما علة وجودها؟ وانظر إلى القمر ما سبب وجوده؟ من أوجدهما؟ ولماذا أوجدهما؟ هذه التساؤلات لمن نظر وفكر وتفكر قُلِ انْظُرُوا انظر مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:101].

قال: [ وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت:37]]. وَمِنْ آيَاتِهِ أي آيات؟ [وَمِنْ آيَاتِهِ أي: الدالة عليه المخبرة به المعلمة عنه [ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]].

قال: [وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أي: الدالة على أنه لا إله إلا هو ولا رب سواه أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20]] أي: في هذه الأرض.

قال: [وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22]]. هذه نكررها، نحن والحمد لله قرابة الألف نسمة لو وقفنا ننظر إلى بعضنا بعضاً هل نجد اثنين لا يفرق بينهما؟ قولوا: والله ما نجد. لو وقف العالم الإنساني أمريكا في الغرب واليابان في الشرق، ووقفوا لن تجد اثنين لا يميز بينهما، وهذه وحدها تخضع الروح البشرية ساجدة لله، فكيف الأجسام كلها واحدة .. عينان .. أنف .. منخران .. أذنان كذا.. ولا تجد اثنين لا يفرق بينهما؟ هذا يدخل على امرأة هذا، وهذا يدخل على امرأة هذا، لو كان من صنع المخلوقين هذا، هذه آية ما فوقها آية وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ .

أو ما فهمتم؟ من ميز بيننا؟ إذ لو كنا كلنا نوع واحد كسيارة المرسيدس، كل واحد يقول: هذه سيارتي، كل واحد يدخل على بيت الثاني يقول: هذه امرأتي وهذه أمي، لكن كل البشرية لا يوجد اثنان لا يفرق بينهما بالسمات الخاصة أو العلامات.

ما رأيت أعظم من هذه الآية قط، أعظم من خلق السماوات هذه.

ومن آياته الدالة على وجوده وربوبيته وألوهيته وعلمه وقدرته وحكمته وصفات الكمال كلها له هذه الآيات الكونية.

قال: [وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الروم:24]] هذا خائف من الصواعق، وهذا طامع في الماء في المطر، وَمِنْ آيَاتِهِ الدالة على وجوده ربوبيته ورؤية علم حكمته يريكم جل وعز الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم:24]] أما الذين لا عقول لهم كالبهائم لا يشاهدون شيئاً ولا يعرفون.

ثم قال: [فهذه الآيات الكونية من سماوات وما فيهن من أجرام، وهذه الأرضون وما فيهن من عجائب الكائنات تدل بوجودها العظيم وصنعها المحكم ونظامها المتقن تدل على وجود بارئها وخالقها، وتدعو بلسان حالها ومقالها إلى الاعتراف بربوبيته لكل شيء وإلى الإذعان له بالطاعة والانقياد في كل شيء، فهو الرب والإله الذي ثبتت ربوبيته ووجبت ألوهيته، فله وحده يجب أن تسلم الوجوه، وله وحده يجب أن تتجه القلوب بالرغبة إليه وبالرهبة منه، فهو القادر على رحمة المطيعين وعلى عذاب الظالمين، سبحانه لا إله إلا هو! تتجه له القلوب، ولا تصرف أنواع العبادات في الأرض ولا في السماوات إلا له؛ إذ هو إله الأولين والآخرين ورب جميع العالمين].

ثم قال المؤلف: [فالآيات التنزيلية هي آيات القرآن الكريم الذي تحدى به الله منزله بُلغاء العرب وفصحاءهم على الإتيان بمثله أو ببعض مثله كالسورة الواحدة أو السور القليلة فعجزوا، وتحدى الإنس والجن عامة على الإتيان بمثله فعجزوا]، أما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] فهل استطاع الإنس والجن أن يأتوا بقرآن سمعتم كالقرآن الكريم؟ مستحيل. وتحدى بعشر سور قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] عجزوا، وتحداهم بسورة وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] سبحان الله! وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] هل فعلوا؟ كم سنة مضت؟ كم عام مضى؟ ألف وأربعمائة، هل استطاع واحد أن يأتي بآية ويقنع البشرية أن هذا من كلام الله؟ هل فعل أحد؟ لا، لأن الله قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] فما عليكم إذاً إلا أن تتقوا النار وتقوا وجوهكم منها.

قال: [وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ [يونس:38]] أي: محمد كذب هذا القرآن من عنده، [ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس:38]، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13]، وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]] أي: معيناً وناصراً.

ثم قال: [فهذا الكتاب المعجز بألفاظه ومعانيه]، القرآن الكريم معجز بالألفاظ فما يستطيع واحد يأتي بمثلها، ومعجز بالمعاني التي يحملها، فلا يقوى مخلوق على أن يأتي بمثل المعاني التي يحملها القرآن الكريم.

قال: [نزل على النبي الأمي الذي ما دخل كتَّاباً قط ولا عرف مدرسة البتة]، هذه هي المعجزة، نزل على عبد أمي، تعرفون الأمي؟ العوام يعرفونه، هو الذي ما زال في حجر أمه يقول: يا أمي! يا أمي! ما دخل مدرسة ولا كتَّاب، فنبينا صلى الله عليه وسلم -ما هو نبينا خاصة بل نبي البشرية والجن عامة- ما كان يقرأ ولا يكتب، وعاش أربعين سنة في مكة ما فيها مدرسة ولا كتَّاب، ولا يعرف يقرأ ولا يكتب، أبعد أربعين سنة يأتي بهذه العلوم والمعارف من تلقاء نفسه؟! مستحيل، لا بد وأنه تلقاها من ذي العلم العظيم.

قال: [فبزَّ البلغاء] بزهم: غلبهم وعلا فوقهم [وأفحم الفصحاء، وفاق الحكماء] هذا كله والله حق.

ثم قال: [هذا القرآن آية واضحة وبرهان ساطع وحجة قاطعة فاصلة على أنه منزل من عند الله بحروفه ومعانيه، وأن الله تعالى هو منزله، فهو دليل قاطع وبرهان قوي على وجود منزله وعلى نبوة من نزل عليه، وأرسل به وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم].

تأملتم هذه؟ هذا القرآن عظيم دال دلالة قطعية على وجود من نزله أو لا؟ كيف ينزل هذا الكتاب من السماء ولا يوجد من أنزله؟ أي عقل يقول هذا؟ مستحيل، فالقرآن دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، وهو دال أيضاً على نبوة من نزل عليه ورسالته، فلو لم يكن رسول الله كيف يوحي إليه وينزل عليه الكتاب؟

فلهذا قلت وأعيد: ما من آية من ستة آلاف ومائتين وأربعين إلا وهي تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه الجملة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) عرفنا من فضلها أن من مات وهي آخر كلامه دخل الجنة مهما كان ومن أي جنس كان، فما من إنسان أو جان يلفظ هذا اللفظ وهو يموت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إلا دخل الجنة، ولو دخل النار وعذب ومحيت ذنوبه لا بد وأن يدخل دار النعيم؛ لأنها حسنة تفوق كل الحسنات، ولكن اسألوا الله أن يتوفانا عليها. كم وكم من إنسان مات وهو يغني، وقد قالوا عن شخص مشغول بالأغاني من أم كلثوم إلى الأطرش إلى فلان، أنه لما وقع وإذا به يغني حتى مات، والذين يلازمون لا إله إلا الله دائماً على ألسنتهم ففي الغالب أنهم يموتون عليها.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
معنى لا إله إلا الله -3 3264 استماع
معنى لا إله إلا الله -4 2430 استماع
معنى لا إله إلا الله -1 2355 استماع
معنى لا إله إلا الله -2 2236 استماع
معنى لا إله إلا الله -6 2091 استماع