تفسير سورة الفتح (6)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع سورة الفتح المدنية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات منها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح:25-26].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25] ما زال السياق الكريم في أحداث الحديبية، وما تم فيها وما حدث، فقوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الفتح:25] يندد بالمشركين ويعيبهم، ويفضحهم لقبح سلوكهم وما فعلوه.

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الفتح:25] والكفر معرة وذنب وإثم، ولا أسوأ من هذا الوصف: أنهم كفروا بالله خالقهم، كفروا برسول الله المرسل إليهم، كفروا بكتاب الله المنزل عليهم، نعم كفروا.

وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25] إذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع ألف وأربعمائة رجل من المؤمنين من المدينة يريد العمرة، وذلك في السنة السادسة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما أرادوا سوى أن يعتمروا فقط، فلما وصلوا قريباً من مكة في مكان يسمى الحديبية نزلوا به، وراسلوا المشركين ليفسحوا المجال لهم ليطوفوا بالبيت ويعودوا إلى المدينة، ولكن المشركين رفضوا، قالوا: واللات والعزى لا نسمح له أن يدخل بلادنا وقد قتل أبناءنا.

فقال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25] أي: عن العمرة في المسجد الحرام بمكة، وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا [الفتح:25] إذ خرج المؤمنون بهديهم معهم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون بعيراً، عكفوها فكانت معكوفة مربوطة قبل أن تدخل مكة، لماذا؟ لأنهم جاءوا بها لينحروها في مكة في الحرم، هدي أهدوه لربهم.

وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ [الفتح:25] أي: المكان الذي يحل فيه نحره وذبحه والانتفاع به، ألا وهو داخل مكة والحرم، لا في الحديبية خارج الحرم.

معنى قوله تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم)

ثم قال تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الفتح:25] أي: لكان يقع ما يقع، فما معنى هذا؟

لولا أولئك المؤمنون والمؤمنات في مكة الذين يجحدون إسلامهم وما يظهرونه، يخافون أن يضربوهم ويقتلوهم، فكان في مكة في تلك الساعة مؤمنون ومؤمنات، فالله عز وجل قدر وحكم ألا يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ليقاتلوا أهل مكة؛ إذ لو دخلوا وأذن لهم لقتلوا المؤمن والكافر، فاسمع ماذا يقول تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ [الفتح:25] قطعاً، ولو كان نساء المؤمنين والرجال منهم في جهة والكفار في جهة فنعم لأذن الله لهم في قتال المشركين ودخول مكة، لكنهم مختلطون ما يفرق بين هذا وهذا، فلو أذن الله لهم ودخلوا لكانوا يقتلون المؤمنين والمؤمنات فتلزمهم ديات، ويلزمهم الصيام، فما يسرون ولا يفرحون بذلك، فدبر الله تعالى لهم هذا التدبير فمنعوا من دخول مكة في هذه السنة.

قال تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ [الفتح:25] أي: في مكة، لَمْ تَعْلَمُوهُمْ [الفتح:25] ولم تفرقوا بينهم وبين غيرهم، أَنْ تَطَئُوهُمْ [الفتح:25] بقتلكم إياهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ [الفتح:25] والمعرة: العار والشنار، وتندمون وتبكون، تقتلون إخوانكم وأخواتكم بغير علم قطعاً، وحاشاهم أن يقتلوا إخوانهم وهم يعلمون أن هذا مؤمن ويقتلونه، أو أن هذه مؤمنة ويقتلونها، أبداً ما كان هذا، لكن يقع القتل بدون علم، هذا في الواقع حيث اختلاط المؤمنين بالكافرين، ولو تميزوا وانفصلوا فنعم، لكن ما هم بمتميزين ولا منفصلين، بل مختلطون، فمن رحمة الله بأولئك المؤمنين وهؤلاء المؤمنين أيضاً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يأذن لهم بقتالهم، والدخول إلى مكة للحرب.

معنى قوله تعالى: (ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً)

ثم قال تعالى: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [الفتح:25] هذه لطيفة: منعكم من دخول مكة للقتال وقتال المشركين؛ لأن الله يعلم أن هناك من سيؤمن ويدخل في الإسلام، وكم دخل في الإسلام من الناس بعد حادثة الحديبية! لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ [الفتح:25] أي: في الإسلام والإيمان مَنْ يَشَاءُ [الفتح:25]، وبالفعل آمن كثيرون من النساء والرجال لما سمعوا حادث الحديبية وما تم فيه.

ثم قال تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:25] لو تزيلوا فانفصلوا وتميزوا لسلطناك يا رسولنا والمؤمنين على أولئك المشركين وقتلتموهم، لكن ما تزيلوا وما انفصلوا، فهم مختلطون في مكة، هذا تعليل رباني: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:25] وأنجينا المؤمنين وأبعدناهم من ظلم الظالمين.

ثم قال تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الفتح:25] أي: لكان يقع ما يقع، فما معنى هذا؟

لولا أولئك المؤمنون والمؤمنات في مكة الذين يجحدون إسلامهم وما يظهرونه، يخافون أن يضربوهم ويقتلوهم، فكان في مكة في تلك الساعة مؤمنون ومؤمنات، فالله عز وجل قدر وحكم ألا يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ليقاتلوا أهل مكة؛ إذ لو دخلوا وأذن لهم لقتلوا المؤمن والكافر، فاسمع ماذا يقول تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ [الفتح:25] قطعاً، ولو كان نساء المؤمنين والرجال منهم في جهة والكفار في جهة فنعم لأذن الله لهم في قتال المشركين ودخول مكة، لكنهم مختلطون ما يفرق بين هذا وهذا، فلو أذن الله لهم ودخلوا لكانوا يقتلون المؤمنين والمؤمنات فتلزمهم ديات، ويلزمهم الصيام، فما يسرون ولا يفرحون بذلك، فدبر الله تعالى لهم هذا التدبير فمنعوا من دخول مكة في هذه السنة.

قال تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ [الفتح:25] أي: في مكة، لَمْ تَعْلَمُوهُمْ [الفتح:25] ولم تفرقوا بينهم وبين غيرهم، أَنْ تَطَئُوهُمْ [الفتح:25] بقتلكم إياهم فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ [الفتح:25] والمعرة: العار والشنار، وتندمون وتبكون، تقتلون إخوانكم وأخواتكم بغير علم قطعاً، وحاشاهم أن يقتلوا إخوانهم وهم يعلمون أن هذا مؤمن ويقتلونه، أو أن هذه مؤمنة ويقتلونها، أبداً ما كان هذا، لكن يقع القتل بدون علم، هذا في الواقع حيث اختلاط المؤمنين بالكافرين، ولو تميزوا وانفصلوا فنعم، لكن ما هم بمتميزين ولا منفصلين، بل مختلطون، فمن رحمة الله بأولئك المؤمنين وهؤلاء المؤمنين أيضاً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يأذن لهم بقتالهم، والدخول إلى مكة للحرب.

ثم قال تعالى: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [الفتح:25] هذه لطيفة: منعكم من دخول مكة للقتال وقتال المشركين؛ لأن الله يعلم أن هناك من سيؤمن ويدخل في الإسلام، وكم دخل في الإسلام من الناس بعد حادثة الحديبية! لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ [الفتح:25] أي: في الإسلام والإيمان مَنْ يَشَاءُ [الفتح:25]، وبالفعل آمن كثيرون من النساء والرجال لما سمعوا حادث الحديبية وما تم فيه.

ثم قال تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:25] لو تزيلوا فانفصلوا وتميزوا لسلطناك يا رسولنا والمؤمنين على أولئك المشركين وقتلتموهم، لكن ما تزيلوا وما انفصلوا، فهم مختلطون في مكة، هذا تعليل رباني: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:25] وأنجينا المؤمنين وأبعدناهم من ظلم الظالمين.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الأحقاف (8) 3862 استماع
تفسير سورة الفتح (8) 3472 استماع
تفسير سورة الأحقاف (7) 3331 استماع
تفسير سورة ق (6) 3235 استماع
تفسير سورة الفتح (1) 3128 استماع
تفسير سورة الأحقاف (1) 3061 استماع
تفسير سورة ق (2) 3049 استماع
تفسير سورة الفتح (3) 3023 استماع
تفسير سورة الأحقاف (4) 2964 استماع
تفسير سورة الفتح (4) 2895 استماع