تفسير سورة الحجرات (1)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فها نحن مع فاتحة سورة الحجرات المدنية، ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:1-3].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه السورة المسماة بالحجرات هي بداية مفصل القرآن، وأهل العلم وأهل الفقه يرون أن صلاة الصبح يقرأ فيها بما بعد الحجرات إلى سورة عبس، وصلاة الظهر والعشاء من عبس إلى الضحى، وصلاة المغرب من الضحى إلى الناس.

ولعل هذا مأخوذ عن صلاته صلى الله عليه وسلم بقصار المفصل، فالمفصل يبتدئ طواله من هذه السورة سورة الحجرات، وينتهي بسورة عبس، ومتوسطه من عبس إلى سورة الضحى، وقصاره من الضحى إلى الناس، فلو أن الإمام يلتزم بهذا فحسن، وليس بواجب، ولكن من باب الأفضل والأولى.

والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن نصلي بالضحى، و إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1] بحسب حال الأمة، وقال للصاحب: ( أفتان أنت يا معاذ ؟ )، أفتان تفتنهم؟

هذه السورة المباركة مفتتحة بهذا النداء الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:1] نقول: لبيك اللهم لبيك، نداء إلهي موجه إلى أهل الإيمان خاصة، لماذا؟ لأنهم أحياء، ما سبب حياتهم؟ إيمانهم بالله ولقائه، والإيمان برسوله وكتابه، الإيمان بمنزلة الروح صاحبه حي وفاقده ميت.

وقد نادانا الرحمن في كتابه نيفاً وثمانين نداء بـ(يا أيها الذين آمنوا)، نادانا ليقول لنا: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1]، ومعنى هذا: يجب أن نعرف ما في كلام الله وكلام رسوله، ينبغي أن نكون علماء نعرف ما في كتاب الله من شرائع وأحكام وما في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم لا نقدم شيئاً على كتاب الله أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي لا يعلم شيئاً من الكتاب ولا من السنة كيف لا يقدم عليهما غيرهما؟ سيقدم عشرات المرات.

ومعنى هذا أننا لا نستطيع أن نقدم على الله شيئاً، بيان ذلك: لما ذبحوا في الأضحية قبل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل أضحيته أمروا أن يعيدوها، لأنهم قدموا.

فلو أنك الآن تقوم لتصلي العشاء ما صحت صلاتك؛ لأنك قدمت، ولو قلت: أنا سأحج بعد أسبوعين، آتي إلى مكة وأطوف بالبيت وأنزل بعرفة في غير أيام الحج فما هو بحج.

لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] لا عقيدة ولا عملاً ولا قولاً، نمشي دائماً وراء هذا النور الإلهي: قال الله وقال رسوله.

سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)

وإليكم ما يوضح ذلك المعنى، قالوا: سبب نزول هذه الآية: أن وفداً من بني تميم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال أبو بكر : أمّر عليهم القعقاع بن معبد ، فقال عمر : لا، أمر عليهم الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : أتريد أن تخالفني؟ فقال عمر : لا، فارتفعت أصواتهما، فنزلت الآية: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1]، فالذي يعين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أبو بكر ولا عمر ، هو الذي يعين الأمير على هذه الجماعة، فما رضي الله لهما ذلك.

لزوم العلم لاجتناب التقديم بين يدي الله ورسوله

ومعنى هذا أنه ينبغي أن نتعلم، وأن نعرف محاب الله ومكارهه، وأن نعرف ما أمر الله به وما نهى عنه، وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه، ومن ثم لا نقدم رأينا ولا رأي زيد ولا عمرو على ما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

ويشهد لهذا حديث معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال: ( يا معاذ ! بم تحكم؟ قال: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو ).

ومعنى هذا أنه لا بد من العلم بالكتاب والسنة، وبعد ذلك إذا ما وجدت فيهما فلك أن تجتهد، واجتهادك قائم على علمك بالكتاب والسنة، وترى أن هذه الحادثة ألصق بكذا وألصق بكذا من الكتاب والسنة، أما أن نفتي بدون كتاب ولا سنة فهذا لا يجوز.. لا يجوز.. لا يجوز، وعلى الذي اجتهد فما وجد في الكتاب ولا في السنة في حادث من الأحداث وحكم إذا تبين له ذلك بعد يوم أو عام في كتاب الله وسنة رسوله؛ يجب عليه أن يعلن عن خطئه وعودته، لا بد أن يعلن أنه كان مخطئاً أو أخطأ في كذا، والصواب هو كذا وكذا.

ومن ثم كان التشريع لله ورسوله، ما بقي من يقول: أنا أهل لأن أشرع لكم، وحسبنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ) احذروا، ( إياكم ومحدثات الأمور ) التي تحدث خارجة عن الكتاب والسنة، ( فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، ولهذا يحفظ الدين كما نزل وبينه المصطفى ويعمل به إلى يوم الدين، فإن فتحنا باباً للبدع فستصبح الفرائض والسنن بلا حساب.

والنص واضح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] آراءكم وفهومكم وعلمكم وما تريدون، إذا كان الله قد قال فما بقي لك قول، وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فما بقي لك قول، حكم الله فما بقي لك حكم، حكم رسوله صلى الله عليه وسلم فما بقي لك حكم، لا بد من الانقياد.

وقد علمتم أننا لو قمنا نصلي الصبح في غير وقتها فهل تصح صلاتنا؟ ما تصح؛ لأننا قدمنا ما لم يقدمه الله عز وجل، حتى الأضحية لما ضحوا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يعيدوا الأضحية.

فاللطيفة هنا هي: أن علينا أن نلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك لا نقول إلا ما علمناه عن الله وعلمناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كيفية التقوى وميدان تحصيلها

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1] أمرنا بتقواه، فكيف نتقيه؟ وبم نتقيه؟

الجواب: نتقيه بالإيمان به، وبطاعته وطاعة رسوله، كل مؤمن تقي هو لله ولي، هذه قاعدة، وكل كافر هو عدو الله وليس لله بولي، وكل فاجر ليس بولي لله، بل هو عدو الله، فلا بد من الإيمان والتقوى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1]: خافوه فأطيعوه، وفيم نطيعه؟ في أوامره، أما أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وبر الوالدين والإحسان والقول المعروف؟ أوامر أمر بها يجب أن نطيعه فيها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأوامر كذلك نطيعه فيها، ونهى الله تعالى عن أشياء كثيرة من الاعتقادات، من الأقوال، من الأفعال، من الصفات، من الذوات، نهى عنها وحرمها فيجب أن نتجنبها ونبتعد عنها بعد معرفتها، وبذلك يمكننا أن نتقي ربنا، أي: نتقي عذابه بعد سخطه ونقمته.

دلالة قوله تعالى: (إن الله سميع عليم)

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]، سميع لأقوالكم، من قال كلمة فقد سمعها الله، فاحذر أن تقول وتظن أن الله ما يسمع، والله! ما نقول كلمة إلا سمعها، سميع عليم بأعمالكم ظاهرة أو باطنة، صغيرة أو كبيرة، كل الأعمال التي نعملها والله! إن الله بها لعليم، والعالم كله بين يديه.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1] فخافوه، فاتقوه، فارهبوه، فأطيعوه ولا تعصوه؛ حتى تنجوا وتكملوا وتسعدوا.

وإليكم ما يوضح ذلك المعنى، قالوا: سبب نزول هذه الآية: أن وفداً من بني تميم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقال أبو بكر : أمّر عليهم القعقاع بن معبد ، فقال عمر : لا، أمر عليهم الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : أتريد أن تخالفني؟ فقال عمر : لا، فارتفعت أصواتهما، فنزلت الآية: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1]، فالذي يعين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أبو بكر ولا عمر ، هو الذي يعين الأمير على هذه الجماعة، فما رضي الله لهما ذلك.

ومعنى هذا أنه ينبغي أن نتعلم، وأن نعرف محاب الله ومكارهه، وأن نعرف ما أمر الله به وما نهى عنه، وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه، ومن ثم لا نقدم رأينا ولا رأي زيد ولا عمرو على ما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

ويشهد لهذا حديث معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، قال: ( يا معاذ ! بم تحكم؟ قال: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو ).

ومعنى هذا أنه لا بد من العلم بالكتاب والسنة، وبعد ذلك إذا ما وجدت فيهما فلك أن تجتهد، واجتهادك قائم على علمك بالكتاب والسنة، وترى أن هذه الحادثة ألصق بكذا وألصق بكذا من الكتاب والسنة، أما أن نفتي بدون كتاب ولا سنة فهذا لا يجوز.. لا يجوز.. لا يجوز، وعلى الذي اجتهد فما وجد في الكتاب ولا في السنة في حادث من الأحداث وحكم إذا تبين له ذلك بعد يوم أو عام في كتاب الله وسنة رسوله؛ يجب عليه أن يعلن عن خطئه وعودته، لا بد أن يعلن أنه كان مخطئاً أو أخطأ في كذا، والصواب هو كذا وكذا.

ومن ثم كان التشريع لله ورسوله، ما بقي من يقول: أنا أهل لأن أشرع لكم، وحسبنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ) احذروا، ( إياكم ومحدثات الأمور ) التي تحدث خارجة عن الكتاب والسنة، ( فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، ولهذا يحفظ الدين كما نزل وبينه المصطفى ويعمل به إلى يوم الدين، فإن فتحنا باباً للبدع فستصبح الفرائض والسنن بلا حساب.

والنص واضح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] آراءكم وفهومكم وعلمكم وما تريدون، إذا كان الله قد قال فما بقي لك قول، وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فما بقي لك قول، حكم الله فما بقي لك حكم، حكم رسوله صلى الله عليه وسلم فما بقي لك حكم، لا بد من الانقياد.

وقد علمتم أننا لو قمنا نصلي الصبح في غير وقتها فهل تصح صلاتنا؟ ما تصح؛ لأننا قدمنا ما لم يقدمه الله عز وجل، حتى الأضحية لما ضحوا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يعيدوا الأضحية.

فاللطيفة هنا هي: أن علينا أن نلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك لا نقول إلا ما علمناه عن الله وعلمناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1] أمرنا بتقواه، فكيف نتقيه؟ وبم نتقيه؟

الجواب: نتقيه بالإيمان به، وبطاعته وطاعة رسوله، كل مؤمن تقي هو لله ولي، هذه قاعدة، وكل كافر هو عدو الله وليس لله بولي، وكل فاجر ليس بولي لله، بل هو عدو الله، فلا بد من الإيمان والتقوى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:1]: خافوه فأطيعوه، وفيم نطيعه؟ في أوامره، أما أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وبر الوالدين والإحسان والقول المعروف؟ أوامر أمر بها يجب أن نطيعه فيها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأوامر كذلك نطيعه فيها، ونهى الله تعالى عن أشياء كثيرة من الاعتقادات، من الأقوال، من الأفعال، من الصفات، من الذوات، نهى عنها وحرمها فيجب أن نتجنبها ونبتعد عنها بعد معرفتها، وبذلك يمكننا أن نتقي ربنا، أي: نتقي عذابه بعد سخطه ونقمته.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة الأحقاف (8) 3866 استماع
تفسير سورة الفتح (8) 3476 استماع
تفسير سورة الأحقاف (7) 3332 استماع
تفسير سورة ق (6) 3237 استماع
تفسير سورة الفتح (1) 3131 استماع
تفسير سورة الأحقاف (1) 3065 استماع
تفسير سورة ق (2) 3054 استماع
تفسير سورة الفتح (3) 3025 استماع
تفسير سورة الأحقاف (4) 2977 استماع
تفسير سورة الفتح (4) 2900 استماع