وَمِثْلُ هَذَا إِذَا وَقَعَ يَصِيرُ فِتْنَةً لِطَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةٌ تُعَظِّمُهُ فَتُرِيدُ تَصْوِيبَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاتِّبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَطَائِفَةٌ تَذُمُّهُ فَتَجْعَلُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَتِهِ وَتَقْوَاهُ، بَلْ فِي بِرِّهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ فِي إِيمَانِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ عَنِ الْإِيمَانِ. وَكِلَا هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ فَاسِدٌ.
وَالْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَهْوَاءِ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الدَّاخِلُ مِنْ هَذَا. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الِاعْتِدَالِ عَظَّمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، وَأَحَبَّهُ وَوَالَاهُ، وَأَعْطَى الْحَقَّ حَقَّهُ، فَيُعَظِّمُ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُ الْخَلْقَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، فَيُحْمَدُ وَيُذَمُّ، وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ وَيُبْغَضُ مِنْ وَجْهٍ. هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ )) [1] .
إذا تقرر هذا فإنه من المعلوم عند علماء أهل السنة والجماعة تميز شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد وهو المنهج النقدي العلمي علمياً وعقدياً، وتأصيلاً وتفريعاً ..
لأجل هذا فقد تأملت في تاريخ المسلمين العلمي، وفي شواهده النقدية، فرأيت شيخ الإسلام تناول علمين بارزين بالنقد العلمي العقدي كثيراً، وأطراهما عديداً، ونوعَّ الكلام فيهما بسطاً عظيماً، وهما:
1 -الإمام أبو حامد الغزالي.
2 -والشيخ أبو عبد الله الفخر الرازي.
وكلامه ومناقشاته وردوده على الثاني أكثر منه على الأول، فاخترت مدارسة كلامه ونقده للشيخ أبي حامد محمد بن محمد بن الغزالي ليكون عنواناً لمنهج حريٍّ بالبحث والدرس من مناهج أهل السنة والجماعة في نقد المخالف، بعيداً عن الظلم والتعَّسف، والحيف والتخلُّف ... فجاء هذا البحث منتظماً بهذه المقدمة.
-ثم تعريف موجز بالإمام الغزالي.
-ثم تمهيد مرحلي تاريخي عقدي: في دخول المذهب الأشعري على الصوفية.
-ثم جاءت المعالم العامة في نقد شيخ الإسلام للإمام أبي حامد الغزالي مبثوثة من خلال سبعة مباحث:
(1) "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية": (4/ 543) .