وما يذكره في ربع المهلكات؛ فأخذ غالبه من كلام الحارث المحاسبي [1] في"الرعاية"؛ كالذي يذكره في ذم الحسد والعجب والفخر والرياء والكبر ونحو ذلك.
وأما شيخه أبو المعالي؛ فمادته الكلامية أكثرها من كلام القاضي أبي بكر ونحوه، واستمد من كلام أبي هاشم الجبائي [المعتزلي] على مختارات له، وكان قد فسَّر الكلام على أبي قاسم الإسكافي عن أبي إسحاق الإسفرائيني، ولكن القاضي هو عندهم أولى.
ولقد خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة.
وأما كلام أبي الحسن نفسه؛ فلم يكن يستمد منه؛ وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس.
والرازي مادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني؛ فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي، وله مادة قوية من كلام أبي الحسين البصري، وسلك طريقته في أصول الفقه كثيراً، وهي أقرب إلى طريقة الفقهاء من طريقة الواقفة.
وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني أيضا ونحوهما، وأما التصوف، فكان فيه ضعيفاً كما كان ضعيفاً في الفقه.
ولهذا يوجد في كلام هذا وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه.
ويوجد في كلام هذا وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه.
ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد ابن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه.
ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة.
وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعا ثم باعا حتى آل هذا المآل؛ فالسعيد من لزم السنة )) .
وهذا الاستطراد سقته كاملًا لمناسبة المقام.
(1) الحارث بن أسد المحاسبي، شيخ الصوفية، ومنظر فكرهم، كان كلابيًا في الصفات، هجره الإمام أحمد لذلك، مات سنة (243 هـ) .