وهو كلابيته بالرد على المعتزلة ومناظرتهم، والتقعيد لمذهبه في نفي الصفات الاختيارية عن الله. وهو الذي عُرف بعدُ بمذهب الأشاعرة، حيث استمرت المناوءة بين المعتزلة والأشاعرة عدة قرون بعده.
وجرَّاءوا نلاحظ في تصانيف أئمة الأشاعرة في العقيدة ردودهم ومناقشاتهم للمعتزلة كثيراً جداً.
وهي التي أثمرت العداوة الشديدة بين المذهبين، لاسيما وكان الأشاعرة والحالة هذا يعتبرون أنفسهم المدافعين عن أهل السنة والجماعة، وعن حوزة الكتاب والسنة في مقابل أهل الاعتزال ولهذا يعَدُّون أنفسهم أهل السنة والجماعة [1] والمتكلمين عنهم.
وكان أن اتحدت الوجهة بين الكلابية وأبي الحسن الأشعري في مواجهة المعتزلة، مع سبق الكلابية الزمني في هذه المواجهة، ولاسيما في مسألة كلام الله، التي تابع فيها هؤلاء جماعات من العلماء الحنابلة وغيرهم، وفي هذا يقول شيخ الإسلام في"الرسالة الكيلانية": (( وكان أيضاً قد نبغ في أواخر عصر أبي عبد الله [الإمام أحمد] من الكلابية ونحوهم، أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، الذي صنَّف مصنفات رد فيها على الجهمية المعتزلة وغيرهم، وهم من متكلمة الصِّفاتية.
وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيها نوع من البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية ــــ نفاة الصفات والعلو ـــــ من الدلائل والحجج وبسط القول ما بيَّن به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذاهب نفاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيراً وتخليصاً من شبههم لكثير من أولي الألباب، حتى صار قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا
(1) ومع أنه لا يُسلَّم لهم هذا الانتساب وتبنيه، ولكن له ما يبرره في هذه الحالة فقط، ولهذا كان شيخ الإسلام يعدهم مع أهل السنة في مقابل المعتزلة والجهمية والرافضة، حيث قال في بيان تلبيس الجهمية 2/ 87: (( وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف، فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم ) )اهـ. ونقد شيخ الإسلام أبا إسماعيل الهروي لما بالغ في ذمهم، وقرَّر بأنه الأشعرية أقرب الطوائف إلى أهل السنة كما في"الفتاوى" (8/ 230 و 6/ 55) .
ولكن تسمَّي الأشاعرة بأهل السنة لا يعني أنهم هم أهل السنة والجماعة في كل حال، بل هم في الواقع ليسوا أهل السنة والجماعة حقاً وصدقاً، فلا يُسلم لهم هذا الانتساب ولا يُتنازل لهم فيه!