عني المسلمون عنايةً قصوى بإحصاء أسماء الله الحسنى لأنّ العلم بها أشرف العلوم على الإطلاق ولدلالتها على ذات الربّ، وصفاته، وأفعاله، وإلاهيّته؛ وذلك هو أصل الإيمان وغايته؛ ولهذا وعد الله تعالى من أحصاها بالجنّة، لما رواه البخاريّ ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . [1]
ومن الطبيعي أن تختلف أنظار المجتهدين في هذا الموضع الَّذي ليس فيه نصّ مسلّم بصحّته، ولكن هناك قواعد وضوابط تعين على تحديد المنهج الصّحيح في استقراء الأسماء الحسنى، وعلى الحكم على أعيان الأسماء بالاعتبار أو عدمه، وقد اجتهد أهل العلم من أهل السنة سلفًا وخلفًا في وضع قواعد وضوابط لذلك.
ضوابط وفوائد في أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى وتحقيق القول فيها
قال ابن القيم الجوزية في بدائع الفوائد [2] :
ويجب أن يُعْلَم هنا أمور:
الأول: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء، والموجود، والقائم بنفسه، فإن هذا يُخْبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العُلى. [3]
قال الشيخ عبد الرحيم بن صمايل العلياني السلمي:
(يطلق على الله عز وجل ثلاثة أمور:
الأول: الاسم.
الثاني: الصفة.
الثالث: الخبر.
وبين هذه الثلاثة الأمور فروق يمكن أن نذكر شيئاً منها.
أما الاسم [4] : فهو ما يدل على ذات الله سبحانه وتعالى مع دلالته على صفة الكمال، وكل ما دل على ذات الله سبحانه وتعالى ودل على صفة كمال فهو اسم الله سبحانه وتعالى.
(1) البخاري في صحيحه (6410) ، ومسلم في صحيحه (2677) .
(2) هذه الضوابط والفوائد اصلها من كتاب بدائع الفوائد للشيخ ابن القيم الجوزية (1/ 284 - 300) سأذكرها كما هي، مع شيء من التوضيح إن تطلب الأمر، من كلام السادة العلماء.
(3) بدائع الفوائد / ابن القيم - 1/ ص 284.
(4) قلت: للاسم في اللغة العربية علامات: -
(العلامات التي يتميز بها الاسم عن كل من الفعل والحرف خمس هي:
1 -الجر: مثل قولنا (عَلَى البَاغِي تدورُ الدَّوائر) .
2 -التنوين: مثل (قوةٌ خيرٌ من ضعف، وصراحةٌ خيرٌ من نفاق) .
3 -النداء: مثل (يا محمد، يا خالد) ومن ذلك قول القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} (التحريم/1) . وقوله: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} (هود/48) .
4 -أل: كما جاء في قول المتنبي:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
5 -الإسناد للاسم: بمعنى أن يكون الاسم متحدثًا عنه، بأن يكون مثلا مبتدأ وله خبر يتحدث عنه به، أو أن يكون فاعلا أو نائب فاعل.
ويتحدث عنه بالفعل، كقولنا (أخذتُ موضعي بين شَبابِ الوطنِ فنحن جميعًا مسئولون عن مستقبله) فالتاء في (أخذتُ) اسم، دل على ذلك إسناد الفعل (أخذ) إليها، والضمير (نحن) اسم، دل على ذلك أيضًا الإسناد إليه، حيث أكمله الخبر (مسئولون) .)
(وخلاصة الأمر في ذلك أنه يكفي في تمييز الاسم مجرد قبول علامة من العلامات، كما أنه يكفي من ذلك علامة واحدة فأكثر.) ?ھ باختصار من (النحو المصفى) - محمد عيد، نسخة الكترونية من المكتبة الشاملة، الاصدار (3.1)