وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسؤول، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة، وقد فتح لمن بَصَّرَهُ الله.
ولنرجع إلى المقصود، وهو وصفه تعالى بالإسم المتضمن لصفات عديدة؛ فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال. وكذلك الصمد، قال ابن عباس: هو السيد الذي كَمُل في سؤدده. وقال ابن وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده.
وقال عكرمة: الذي ليس فوقه أحد، وكذلك قال الزجاج: الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء. وقال ابن الأنباري: (لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم) . واشتقاقه يدل على هذا، فإنه من الجمع والقصد فهو الذي اجتمع القصد نحوه، واجتمعت فيه صفات السؤدد، وهذا أصله في اللغة كما قال:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد
والعرب تسمي أشرافها: بالصمد؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه، واجتماع صفات السيادة فيه.
السادس صفة تحصل من اقتران أحد الإسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدرٌ زائد على مفرديهما نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغنيُّ صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وكذلك: العفو القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه من أشرف المعارف
وأما صفات السلب المحض؛ فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة
لثبوتٍ؛ ك (الأحد) المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية، (والسلام) المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله، وكذلك الإخبار عنه بالسُّلُوب؛ هو لتضمنها ثبوتا كقوله تعالى: (لاَ تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) (البقرة /255) ، فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى: (وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) (ق /38) ، متضمن لكمال قدرته، وكذلك قوله: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) يونس / 61، متضمن لكمال علمه، وكذلك قوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (الإخلاص/ 3) ، متضمن لكمال صمديته وغناه، وكذلك قوله: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص/4) ، متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له، وكذلك قوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) (الأنعام / 103) ، متضمن لعظمته، وأنه جلَّ عن أن يُدرَك بحيثُ يُحاط به وهذا مطرد في كل ما وَصَفَ به نفسه من السُّلُوب.) [1]
(1) بدائع الفوائد / ابن القيم - 1/ ص 280 - 282.