الصفحة 37 من 45

ثم يتصاعد به الموقف إلى لحظة التوحد التام مع الذات عابدة ومعبودة:

مارست ألف عبادة وعبادة،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ... فوجدت أفضلها عبادة ذاتي،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

هذه ليست مبالغات شعرية، ولعل عيب ثقافتنا هو في إصرارها على التعامل مع الأوهام بوصفها مبالغات شعرية، وعلى أن أعذب الشعر أكذبه، في حين أن هذه المبالغات المزعومة هي ما يؤسس للتصورات الذهنية والثقافية عن سلطوية الذات وسموها وجبروتها )) [1] .

لقد أحسن الدكتور الغذّامي ببيانه هذا الغلو المفرط لدى بعض الشعراء والناقدين في تبجيل ذواتهم والتصريح بخلع صفات الألوهية عليها، ولكن اقتصار نقده على أن صنيع أولئك الشعراء أدى إلى ظاهرة تضخيم الذات وظاهرة الفحل، فهذا قاصر جداً.

فالمسألة بلغت حد منازعة الله في ألوهيته، والتصريح بمناقضة كلمة التوحيد! وإيراد النقد منعزلاً عن أصل ثقافة الإسلام غاية في الوهن والخور.

إنك تجد نماذج من السنة النبوية تدلك على عظم خطورة المساس بجناب التوحيد، لدرجة أنك تكاد تعجب من موقفه - صلى الله عليه وسلم - في شدة إنكاره لما هو دون ما نقله الدكتور الغذّامي بما لا قياس فيه.

فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجعه الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت. فقال: جعلتني لله عدلاً! ما شاء الله وحده) [2] .

وتجد موقفاً عظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - هذب فيه هذا الجانب في شخصية بعض الشعراء والخطباء، وذاك حين قام رجل فقال: (يا رسول الله! إن حمدي زين وإن ذمي شين! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: ذاك الله!) [3] .

فتأمل كيف جاء الإسلام بتحقيق العبودية لله، وإفراده سبحانه بصفات الكمال والجلال، والتحذير من جانب الكبرياء والتعالي لدى بعض الخلق، وإثبات ذلك لله وحده.

فما أجهد الدكتور الغذّامي نفسه في تقريره من وصف الشعراء بالـ (أنا المتعالية) وتعظيم الذات، غافلاً في ذلك عن نور الوحي وهدي الإسلام، كان الأولى في تحقيقه وتقريره: إسناده إلى مصدر هويتنا الثقافية.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً

(1) "النقد الثقافي" (ص 250 - 251) باختصار.

(2) أخرجه أحمد (1/ 347/ح3247) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.

(3) أخرجه الترمذي: (5/ 387/ح3267) وصححه الألباني.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام