عرض الدكتور الغذّامي نظريات متعددة مثل: ما بعد الحداثة، ما بعد البنيوية، التاريخانية الجديدة، النقد المدني، وغيرها وعدها بما يسميه: (( ذاكرة المصطلح ) )وهي ما يؤسس لنظريته الخاصة عن النقد الثقافي [1] .
ومع ذكر هذه النظريات الحديثة والعصرية في النقد، فإنك تجد الدكتور الغذّامي قد أورد شواهد تاريخية، عدها من مواقف النقد الثقافي.
مثال ذلك ما أورده عن حسان بن ثابت - رضي الله عنه - في قصة الحطيئة مع الزبرقان بن بدر، عندما شكى الأخير الحطيئة عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، حيث قال فيه شعراً وصفه فيه بالطاعم الكاسي، فكان هذا ذماً في صورة المدح، وجاء حسان - رضي الله عنه - فأكد أنه لم يهجه بل سلح عليه [2] .
فيرى الدكتور الغذّامي أن فعل حسان - رضي الله عنه - كان كشفاً عن النسق المضمر، وهذا لب النقد الثقافي.
وكذلك ما ذكره الدكتور الغذّامي عن عمر بن عبد العزيز أنه (( من أول رواد مشروع النقد الثقافي ) ) [3] .
ولكنه يعود وينفي وجود النقد الثقافي في تاريخ الأمة الأدبي، فيقول الدكتور الغذّامي: (( ولو شرع أبو حيان في نقد النسق الثقافي العربي من ذلك اليوم، لما اضطر إلى حرق كتبه وإعلان يأسه، ولكان وجد خطاب التدبر والعقلنة ) ) [4] .
فإن كانت تطبيقات النقد الثقافي معروفة عند العرب منذ عصور الإسلام الأولى، فما كان ثم داعي لربطه بالنظريات النقدية الحديثة، بل يكون غاية ما في الأمر ربط هذه النظرية بأصولها السابقة في التاريخ الأدبي العربي القديم، ويكون ما يدعوه الدكتور الغذّامي بالنقد الثقافي إنما هو نوع من الفهم لمغزى النصوص، وليس دعوى لنقد كل ما هو ثقافي وحياتي وروحي.
(1) انظر:"النقد الثقافي"الفصل الأول: ذاكرة المصطلح (ص11 - 53) .
(2) انظر:"النقد الثقافي" (ص 166) .
(3) "النقد الثقافي" (ص 159) .
(4) "النقد الثقافي" (ص 115) .