وهذا شأن الدعاة وذوي العقائد، فما يصرح به الداعية هو أنه يدافع عن العقيدة والحقيقة أو يحرس الذاكرة والهوية، ولكن مبنى قوله - أي ما يسكت عنه القول ولا يقوله- هو أنه يدافع عن مرجعيته وسلطته أو سلطانه، وأنه يتصرف إزاء سواه بوصفه أولى منهم بأنفسهم.
وبكلام أصرح: فمنطوق خطاب الداعية أنه يدعوك إلى أمر ما، قد يكون الإيمان والصدوع بأمر ربك، وقد يكون الانخراط في مشاريع الثورة والتحرير أو التغيير، ولكن ما يتستر عليه خطاب الداعية هو كونه يمارس سلطته عليك، فيما هو يدعوك إلى الأمر، أي كونه يصبح مصدر الأمر والنهي ... )) [1] .
تأمل قول الأستاذ علي حرب بخصوص النص الإلهي:"ويحجب ثالثاً ذاته، وحجبها أي كون النص نفسه يمارس سلطته على السامع أو على القارئ"فإنه يعد مثالاً على كراهية الإذعان بالعبودية لرب العالمين، على أقل تقدير.
إن بيان حدود دائرة النقد الثقافي واجب حتمي على كل من خاض في غمار هذه المجالات، طالما أنه من أبناء أمة الإسلام، المُسَلّمين بمبادئها وعقائدها، وإن الواجب على الدكتور الغذّامي التأكيد على وجود حدود مقدسة لا يحق لأحد من البشر أن يتخطاها، بل يقف أمام نصوصها موقف المتعبد لا الناقد [2] ، فالقرآن: كلام الله المتعبد بتلاوته، والسنة من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من وصفه ربه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } [النجم: 3 - 4] .
(1) المقال على موقع:"الموسوعة الإسلامية": www.balagh.com/mosoa/mabade/qz0x30vf.htm
(2) أورد الدكتور الغذّامي عن نزار قباني نقله لعبارة كروتشيه:"على الناقد أن يقف أمام مبدعات الفن موقف المتعبد لا موقف القاضي"، وقد أورد هذا الدكتور الغذامي كشاهد على"نسق الاستفحال"فحسب."النقد الثقافي" (ص 249) .