أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) [الأنبياء: 5] وقال سبحانه: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) } [الحاقة: 41] . وقال جل من قائل: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) } [الطور: 30] .
فهل خفي كل هذا على الدكتور الغذّامي؟! وهل تيسر له الرجوع إلى سبعين مرجعاً عربياً، واثنين وأربعين مرجعاً إنجليزياً، وعجز عن الرجوع إلى كتاب ربه؟! لو بمجرد إيراد آية منه بنصها، أو عزوها إلى سورتها!
إن أظهر تحول في ثقافة العرب هو تحولهم إلى العناية بما جاءهم من الكتاب والسنة، إلى درجة قاربت الاستغناء بهما عما سواهما، ويكفي للدلالة على عظم أثر القرآن على الأمة وشدة عنايتهم به النظر - فقط- في عناوين أبواب كتاب فضائل القرآن في صحيح البخاري - نموذجاً- فإنها تنبيك عن المضمون:
باب: كيف نزول الوحي، نزول القرآن بلسان قريش، جمع القرآن، كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أُنزل القرآن على سبعة أحرف، تأليف القرآن، كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، القرّاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضل فاتحة الكتاب، فضل سورة البقرة، فضل سورة الكهف، فضل سورة الفتح، فضل قل هو الله أحد، فضل المعوذات، نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، من قال: لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين الدفتين .. ، فضل القرآن على سائر الكلام، الوصية بكتاب الله، من لم يتغن بالقرآن، اغتباط صاحب القرآن، خيركم من تعلم القرآن وعلمه، القراءة عن ظهر القلب، استذكار القرآن وتعاهده، القراءة على الدابة، تعليم الصبيان القرآن، نسيان القرآن ... ، من لم ير بأساً أن يقول: سورة البقرة ... ، الترتيل في القراءة ... ، مد القراءة، حسن الصوت بالقراءة للقرآن، من أحب أن يسمع القرآن من غيره، قول المقرئ للقارئ حسبك، في كم يقرأ القرآن ... ، البكاء عند قراءة القرآن، إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به، اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم [1] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (( وإنما كان علم العرب ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم والحروب، فلما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالهدى، تلقفوه عنه بعد مجاهدة شديدة، ونقلهم الله عن تلك العادات الجاهلية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى، زالت تلك الريون عن قلوبهم، فقبلوا هذا الهدى العظيم، وأخذوه بتلك الفطرة الجيدة ... فصار السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله سوى الأنبياء، وصار أفضل الناس بعدهم من اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم إلى يوم
(1) انظر: فهرس صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن.