بشعره، وانظر ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسان وعلى شعره، ومن فوقه ثناء رب العالمين في كتابه.
ثم سل الدكتور الغذّامي: أي عيوب نسقية فادحة وخطيرة جداً أسسها فينا هذا الشعر؟! وهل جنى هذا الشعر على الذات العربية الثقافية؟!
ويظهر من الحديث السابق خطأ دعوى الدكتور الغذّامي بأن عصر صدر الإسلام -عصر الفتوحات والإنجازات التاريخية- تم القضاء فيه الشعر وأثره السلبي على الأمة، ثم عادت الأمة في العهد الأموي لنكستها ورضوخها الذليل للشعر وأنساقه.
فعصر صدر الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - قد وظف الشعر في خدمة الإسلام والذب عن حياضه [1] ، مع بيان آداب عظيمة للإسلام تخص الشعر، وتشمله وغيره من آداب الخطاب.
فمن ذلك: موقف الإسلام من المدح، فقد جاء النهي عن مدح الرجل في وجهه، وجاء وصف ذلك بأنه كقطع عنقه.
جاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: (أثنى رجل على رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ويلك! قطعت عنق صاحبك! قطعت عنق صاحبك!» مراراً. ثم قال: «من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه» ) [2] .
وأما عصر بني أمية، والذي حكم الدكتور الغذّامي عليه بأنه شهد النكسة، والعودة تحت الوطأة الثقافية للأنساق الشعرية، فإن ذاك العصر قد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أحد القرون المفضلة من هذه الأمة! فقال - صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم) [3] .
ولم يقف اعتناء القرآن الكريم بجانب الشعر عند نزول سورة"الشعراء"وما فيها من ذكر للشعراء وبيان موقف الإسلام من الشعر، فقد بين القرآن فِرية الكفار بوصف نبي الإسلام بقولهم: شاعر، وأكذبهم.
قال سبحانه وتعالى: بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا
(1) انظر بحثاً قيماً بعنوان:"ذميم الشعر في التصور الإسلامي"بقلم: مصطفى عيد الصياصنة، في مجلة البحوث العلمية (39/ 345) موجود ضمن"المكتبة الشاملة" (33/ 309) .
(2) متفق عليه، أخرجه البخاري: (2/ 946/ح2519) ومسلم: (4/ 2296/ح3000) .
(3) متفق عليه، أخرجه البخاري: (5/ 2362/ح6065) ومسلم: (4/ 1963/ح2533) .