أما آن لعشّاق سلمى أن يقولوا: صحا القلب عن سلمى؟
أما آن للحالمين بالوحدة الفرنسية أن ينفضوا عنهم الأحلام؟
أما آن للمنتظرين أن يقطعوا حبل الانتظار؟
أما آن للمستعصمين بالأمل أن يُريقوا صُبابة الأمل؟
يا هؤلاء! إن الاستعمار شيطان، وإن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوًّا، وإن الاستعمار شر، ومحال أن يأتي الشر بالخير، ومحال أن يُجنى من الشوك العنب.
إن فرنسا نبية في الاستعمار، وإنها ترى أنه شرع لا ينسخ وعقد لا يفسخ، فدعوها وشرعها لله وسنن الله، وللزمان وتصاريف الزمان.
إن الإلحاح في المسألة ذلة وإن اليأس إحدى الراحتين.
والله والله، ألِيَّةَ المسلم البر، لا يرجو الخير من الاستعمار إلا من خولط في عقله فرجَا من الصخر أن يبضّ بالقطر، وما كنا نرجو منه أن يسترجع ما غصب من دنيانا، والدنيا مادة يملكها الغاصب؛ بعد تسلّطه على ديننا، والدين روحاني لا يسلبه إلا من يسلب الروح، ولكننا كنّا نظن أن تلك القلوب القاسية ترققها الشدائد، وأن تلك النفوس العاتية تلطّفها المصائب، وأن تلك الإحساسات الغليظة ترهفها مناظرُ البؤس الذي نزل بها، وتوقظها أصوات القوارع التي حلّت بدارها، من اكتساح"الألمان"لها، واجتياحها لديارها في يوم وبعض يوم، فقطع علينا هذا الظنّ يومَ حجر الحقد تلك القلوب على مسلمي الجزائر حتى أبتْ عليهم أن يشاركوها في فرحة فنغصتها عليهم بمناظر الدماء (1) والأشلاء.
* نشرت في العدد 4 من جريدة «البصائر» ، 29 أوت سنة 1947.
1)إشارة إلى حوادث 8 مايو 1945 التي قتلت فيها فرنسا 45 ألف جزائري.