كتبنا في العدد 139 من «البصائر» كلمةً عن الأئمة الحكوميين، وبينا حكم الله- المبني على حكمته- فيهم، ثم شرحنا تلك الكلمة بكلمة ثانية في العدد 140، ثم وضّحناها بكلمة ثالثة في العدد 142، ثم سمعنا هيعةَ المغرب الأقصى فطرنا إليها خفافًا، ووافيناها مع الصبح سراعًا، وشغلنا عن واجب مهم بواجب أهمّ، ووصلنا جهادًا بجهاد، من غير أن نخرج عن دائرة الدفاع عن الدين، ومن غير أن نخسر واحدة من الحسنيين، وإذا كانت «البصائر» قد لقيتْ مصرعها في المغرب فتلك غاية الجهاد، وتلك عاقبة كنا نقدّرها، ولا نحذرها؛ وحسب هذا القلم شرفًا أن يطولَ بالحق قصرُه، وأن تحشرَ مع سيوف الفتح كِسَره، ولا نامت أعينُ الجبناء.
وها نحن أولاء نعود إلى الميدان الأول أوفرَ ما نكون نشاطًا، وأكثر ما نكون اغتباطًا، فقد كانت هذه الفترة كافيةً لاختمار تلك الكلمات عن الإمامة في الأذهان، ولتعرف المدى الذي وصلتْ إليه هذه الأمّة من تفهّم الحقائق الدينية العليا، فطالما شغلتهم الظواهر عن تلك الحقائق، وطالما ألهتهم القشور عن اللباب، وطالما غرّهم بالله ودينه الغرور، وطالما دسّ لهم الاستعمار السم في الدسم.
وانتهى إلينا من تسقط الأخبار، وقصّ الآثار، أن الأمّة كانت بعد تلك الكلمات أزواجًا ثلاثة: فأما الذين استنارت بصائرهم، وآمنوا بأن الدين لله، وأن بيوته لا يعمرها إلا من خشي الله، وأن تراث الإسلام لا يرثه إلا المسلمون فزادتهم تلك الكلمات إيمانًا بذلك واستبصارًا فيه وثباتًا عليه؛ وأما العوام المغرورون بالمداورة، والأتباع المجرورون بالمجاورة، فقد نقلهم صدى تلك الكلمات من رتبة اليقين بصحة الباطل، إلى رتبة
* نُشرت في العدد 153 من جريدة «البصائر» ، 30 أفريل سنة 1951.