فهرس الكتاب
الصفحة 262 من 2179

طاف بالأمة الجزائرية في سنينها الأخيرة طائف من يقظة وانتباه لا عهد لها به في سنيّها الغابرة. وتفشت تلك اليقظة في جميع طبقات الأمة كما يتفشّى الروح الحيواني في أجزاء البدن كلها. وانتظم ذلك الانتباه جميع مرافق الحياة المادية والمعنوية في الأمّة فظهرت آثاره جلية في التفكير. وظهرت آثاره في الإقبال على العلم. وظهرت آثاره في الاقتصاد والعمل وظهرت أخيرًا في السياسة.

وكان من أول ما تنبّه له شعورها- وهي بين النوم واليقظة- أن تجلو ماضيها القريب معتبرة، وتبلو حاضرها المضطرب مختبرة، لتقدم على بناء مستقبلها مستبصرة، فإذا في ذلك الماضي ما تَزِرُّ العيون منه على مثل القذى، وتنقلب النفوس منه بما ينقلب به الحي من السوأة العريانة، أنقاض من الخرافات لابست الدين الحق حتى أصبحت تسمّى دينًا، وأشتات متناقضة من الاستسلام المطلق باسم الدين، مظهره الانقياد لتجار الدين، ومن الثوران الجامح باسم الحفاظ والغيرة. مَظْهَرُهُ عداء مستحر بين ذوي القربى في الوطن، ونزاع مستمر بين ذوي القربى في الرحم وقد أَمِرَ أَمْرُ هذه الرذائل حتى أصبحت تسمّى فضائل.

وأخلاط من عواري الميول والمشارب تلوّنت بها النفوس الجوفاء حتى أصبحت تسمّى أخلاقًا، وسفاسف من لغو الحديث لا تثير ذكرى ولا تذكي حماسًا، ولا تهز عاطفة، وقد غمرت المجامع حتى أصبحت تسمّى أدبًا.

* جريدة"البصائر"، السنة الأولى، العدد 26، الجمعة 13 ربيع الثاني 1355هـ/ 3 جويلية 1936م.

وكتب هذا المقال بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام