فهرس الكتاب
الصفحة 877 من 2179

رمضان: وحدة الصوم والإفطار *

وضعنا الديني في هذا الوطن وضع شاذ غريب، كوضعنا السياسي أو أشدّ شذوذًا وغرابة، بل ما كان وضعنا الديني غريبًا إلا لأن وضعنا السياسي غريب، ولو كنا نملك الحقوق السياسية كبني آدم لاستتبع ذلك الحقوق الدينية، لأننا أمّة مسلمة ما زال لنا من قرآننا عاصم من الإلحاد، ومن ميراثنا الجنسي معاذ من الزيغ، ومن فطرتنا الشرقية واق من هذا التحلل الذي أصيبت به الأمم.

ولكننا أضعنا الحق السياسي فأصبحنا كالكمي سلب سلاحه فأصبح ماله فيئًا للغانمين، وعرضه نهبًا للمغيرين، ومهجته جزر السباع ... أضعنا الحق السياسي من زمن بعيد، ووسمنا بسمة العبيد، وطال الأمد حتى استكانت النفوس، فامتدت اليد التي ملكت الرقبة إلى القلوب تفسدها، وإلى الألسنة تسكتها، فلما استقام لها كل ذلك ضربت علينا الحجر في الدين وأقامت على كل شعيرة من شعائرنا وصيًا، صورته منّا، وحقيقته لغيرنا، فعلى الصلاة وصيّ، وعلى الحج وصيّ، وعلى الصوم والأهلة والأعياد وصيّ ...

لو أن هذه المجاميع التي تسمّى الأمم أوتيت رشدها لجعلت السلطان الأعلى في الحياة للدين، ولجعلته هو المهيمن على السياسة، ولو فعلت ذلك لجرت أمورها على الخير والسداد، لأن الدين- وإن اختلفت أوضاعه- يأمر بالخير ويدعو إلى الإحسان ويرشح بالرحمة، ويقيّد الغرائز الحيوانية، ويضع الموازين القسط لكل شيء، أما السياسة فإنها- وان اختلفت ألوانها- تأمر بالفحشاء وتدعو إلى الفساد في الأرض، وتفيض بالأنانية، وتبني أمورها على التسلط والافتراس. والدين والسياسة هما دعامتا الحياة، وقطباها اللذان عليهما المدار، فإذا تساندا على الحق وتسايرا إلى السعادة، وكان الدين هو المرجع عند اشتباه

*"البصائر"، العدد 84، السنة الثانية من السلسلة الثانية، 20 جوان 1949م.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام