نفسه , وفي هذا دلالة على عنايته - تعالى - بعبده الصالح وعلى فضيلته , فجعل مرضه مرضه وجعل جوعه جوعه , مفسرًا ذلك بأنك لو عدته لوجدتني عنده ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي [1] , والله أعلم.
والأفعال الاختيارية هي التي تكون بمشيئته؛ كل فعل تقول: (إن الله يقول أو يفعل كذا إذا شاء) فهو فعل اختياري , وهي الصفات الفعلية , فالعلم لا يصح فيه أن تقول إن الله يعلم إذا شاء , أو إنه يكون حيًا إذا شاء , أو إن له يدًا إذا شاء , لكن تقول: إنه ينزل إذا شاء، واستوى على العرش حين شاء، ويتكلم إذا شاء إلى آخره.
وحديث:"عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا" [2] ليس هو الملل الذي هو السآمة , لكن نعلم أن الملل يدل على الكراهة , فالله - تعالى - يحب من عباده العمل الصالح إلا أن يشقوا على أنفسهم , فإذا شقوا على أنفسهم وكلَّفوا أنفسهم مالا يطيقون فإن الله يكره منهم ذلك , يكره العمل , فالملل من الشيء يتضمن كراهته , فالله - تعالى - يحب العمل الصالح من عباده ما لم يشقوا على أنفسهم , فإذا شقوا على أنفسهم وتسببوا في الملل من العمل , فإن الله يمل ولا يحب منهم ذلك العمل؛ بل يكره منهم ذلك العمل"اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، فإذا مَلَّ العبد فالله - تعالى - لا يحب عمله الذي يجهد به نفسه، ويشق به على نفسه، ويتجاوز فيه الحدود الشرعية , كإنسانٍ يقوم ويضع له حبلًا يتعلق فيه من أجل القيام؛ كما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين، فقال:"ما هذا الحبل؟!"قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم:"لا، حُلُّوه؛ لِيُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَرَ فليقعد" [3] .
(1) انظر: التدمرية (216 - 219) ، والدرء (5/ 233 - 336) ، وسيأتي الكلام عليه في صفحة (...) .
(2) أخرجه البخاري (43) في مواضع، ومسلم (782) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(3) أخرجه البخاري (1150) ، ومسلم (784) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.