فهرس الكتاب
الصفحة 169 من 209

إلى ربه؛ كما قال سبحانه:"واسجد واقترب" [العلق: 7] ,"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" [1] والله يقرب من عباده كيف شاء , ولهذا التحقيق: أنَّ القرب من الله قربٌ خاص , يعني ليس هناك قرب عام , فلا نقول: إن الله قريب من جميع العباد؛ كما نقول: إنه مع جميع العباد , الأظهر: أن القرب لم يأت إلا خاصًا كما في هذا الحديث وفي قوله:"إني قريب أجيب"الآية [البقرة: 186] فهو قريب من الداعين ومن العابدين , وأما قوله:"هرولة"جاءت في مقابل"أتاني يمشي"فقوله:"أتاني يمشي"لا تعني العبادة التي فيها المشي , هذه جاءت زيادة"تقرب إليَّ شبرًا""تقرب إليَّ ذراعًا""ومن أتاني يمشي"يعني معناه: أنه تقرب إلى الله أكثر وأكثر؛ وعندي أنه لا يختص بالعبادات التي تقتضي مشيًا؛ بل يعم , فالعبرة بسير القلوب.

"أتيته هرولة"يعني مِثْلا بمثل , كما أنه ازداد تقربه إلى ربه فالله - تعالى - يزيده يعني أن يَقْرُب منه , ولابد من مراعاة السياق , فلا يقال: إن معنى أنه هرولة إن الله يركض , لا , هذا جاء في سياق معين يدل على أنه تعالى يقرب منه أكثر وأكثر.

"من تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"أقول: إن السلف من الصحابة والتابعين ما كان يشكل عليهم شيء من ذلك - ولله الحمد - , يعرفون دلالات الكلام ودلالات السياق ولا يتوهمون بهذه النصوص ما لا يليق به سبحانه , مثل"عبدي مرضت. . . عبدي جعت" [2] جاء الحديث مفسرًا"قال كيف أعودك وأنت رب العلمين؟! قال: مرض عبدي فلان فلو عدته لوجدتني عنده"فجعل مرض عبده مرضه , أضاف المرض إلى

(1) أخرجه مسلم (483) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

(2) تقدم تخريجه في صفحة (...) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام