فهرس الكتاب
الصفحة 107 من 209

إذن؛ فالقرآن كله يمكن فهمه , وأعظم ذلك وَأَوَّلُهُ وَأَوْلَاه نصوص الصفات , فهي أشرف كلام الله , وأشرف آي القرآن , لأن أشرف العلوم الشرعية هي العلم بالله بأسمائه وصفاته , وأما الوجه الثاني الذي لا نعلمه فاستدل له بقوله تعالى:"وما يعلم تأويله إلا الله" [آل عمران: 7] ، والتأويل في هذه الآية ولاسيما على قراءة الجمهور - وهي: الوقف على لفظ الجلالة - هو الحقيقة التي يؤول إليها الشيء , فلا يعلم تأويل ما تشابه من القرآن , يعني لا يعلم حقيقته وما يؤول إليه إلا الله , فلا يعلم كنه ذات الرب وصفاته ولا كنه ما أخبر به عن اليوم الآخر إلا الله , حتى إنه سبحانه في الحديث القدسي قال:"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلبِ بشر" [1] .

وفي آيات الأمر بالتدبر وذم المعرضين عن تدبر القرآن: الرد على أهل التفويض، وهذا هو المقصود من تقرير هذه القاعدة , وأهل التفويض هم الذين يقولون: إن نصوص الصفات لا يعلم أحد معناها ولا الرسول - صلى الله عليه وسلم - , فلا يعلم معناها إلا الله؛ ولهذا سماهم الشيخ في الحموية أهل التجهيل [2] , لأنهم بزعمهم هذا يجهلون الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بمعان كلام الله؛ بل على قولهم: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بما لا يعلم معناه من حديثه , فأحاديث الصفات - أيضًا - لا يعلم معناها إلا الله , فقولهم يتضمن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بما لا يعلم ويعقل معناه , وكفى بهذا فسادًا , وكفى بهذا طعنا في كلام الله , وفي حكمة الله وفي كلام الرسول وقدره - صلى الله عليه وسلم - , سبحان الله ما أقبح هذا الكلام وهذا المذهب , مع أن كلمة

(1) أخرجه البخاري (3244) وفي مواضع أخر، ومسلم (2824) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

(2) الحموية (ص 195 - 207) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام