فأمر بتدبر الكتاب كله) [1] .
والوجهان - كما ذكرهما الشيخ محمد رحمه الله - نعلمهما من جهة المعنى , فنعلم معانيها ونفهمها ونتدبرها ونعرف ربنا بها ونعرف مراده من هذه الأخبار , ونعرف مراده من الإخبار عن اليوم الآخر , ولكن لا نعلمها من جهة حقائقها وكيفياتها , فلا يلزم من العلم بمعنى الشيء إجمالا الإحاطة به.
وهذا كثير , ولعله يكون حتى في المحسوسات فالشمس نعلمها ونعرفها ويراها الناس , لكن هل يحيط الناس بها؟ وهل يحيط الناس بحقيقتها وما هي عليه كما خلقها الله؟ قد يعرفون أشياء لكن هل يعرفون حقيقة الشمس على ما هي عليه كما خلقها الله - سبحانه وتعالى -؟
والشيخ - رحمه الله - في التدمرية [2] ضرب مثلًا للعجز عن معرفة الكيفية بالروح؛ فهذه الروح التي في الناس وبها حياتهم ولها شأن وصفات وهي معروفة , ومع ذلك لا يدرك الناس كنهها أبدًا , والعقول عاجزة عن تكييفها , فإذا كانت العقول عاجزة عن تكييف الروح فهي عن تكييف ذات الرب وصفاته أعجز.
وذكر شيخ الإسلام في القاعدة الخامسة الدليل على الوجه الأول , وهو نفس ما ذكره الشيخ محمد فذكر آيات التدبر:"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" [محمد: 24] ، وقوله تعالى:"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا" [النساء: 82] ، وقوله تعالى:"أفلم يدبروا القول" [المؤمنون: 68] ، وقوله تعالى:"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته" [ص: 29] ، ثم قال: (فأمر بتدبر الكتاب كله) [3] .
(1) التدمرية (ص 251) .
(2) التدمرية (ص 169) .
(3) التدمرية (ص 251) .