إنّ للدراسات القرآنية دوراً كبيراً في تطوير الإدارة المالية؛ و إيجاد البدائل الشرعية ونبذ الحيل؛ فبإمكان رأي العالم أن يغير مسار قرار المؤسسة المالية، ويصرفها عن مشروعٍ يدر عليها الأموال الطائلة بصيغةٍ محرمةٍ، كما له أن يدلها على منتجٍ ماليٍّ، وفتوى شرعيةٍ تستجلب بواسطتها أرباحاً تضاعف ما حرم عليها.
إن المالية الإسلامية لا تقوم إلا بالكفاءة، التي ترمي إلى تطوير المنتجات، واكتشاف الصيغ التمويلية؛ كما أنها لا تستثب، وتستمر، إلا بالاستقرار، والمحافظة على المكتسبات، والكفاءات؛ بيد أن هذه الكفاءة، وذاك الاستقرار، موقوفان على اجتهادات علماء الشريعة، فهم مَرام الإتقان، وصمام الأمان، ولا يتسنى لهم ذلك إلا إذا ارتكزوا على الوحي. ولا جرم أن الأمة الإسلامية محظوظةٌ بمرجعيتها الشرعية، المتمثلة في الوحيين، واللذين حويا من النصوص والقواعد والمقاصد، ما يكفي ويحث على استنباط الأسس والضوابط الإبداعية، التي تمكن من بناء المعرفة وتنميتها. بدليل أن الرعيل الأول الذين نهلوا من النصوص، وفقهوا معانيها، وتحروا تنزيلها، تفتقت عن مواهبهم إبداعاتٌ وابتكاراتٌ أبهرت العالم، وجعلتهم قبلةً للناسخين، والمقتدين، من أبناء حضاراتٍ سابقةٍ.
لقد استدعت المستجدات الاقتصادية معرفة حكمها بالاجتهاد لإيجاد الحلول الشرعية والتي تفتقر إلى القرآن الكريم، في توجيه الاجتهاد الفقهي في المسائل المستجدة وفي تدبير الاختلاف الفقهي. وقد يسعف الوحيان نبهاء الفقهاء وصفوة العلماء، في إيجاد مخارج شرعيةٍ لمعاملاتٍ محرمةٍ، ولاكتشاف حلولٍ وبدائل مباحةٍ تسهل عملية إدارة المال وترويجه، لرفع الحرج عن المسلمين الذين يفرون من المعاملات الربوية؛ حيث يوفران لهم حلولاً شرعيةً تجعلهم يُقْدمون عليها، وهم مرتاحو البال ومطمئنو النفس، علاوةً على ما قد تجلبه لهم من الربح الوفير.
وقد يختلف المجتهدون، أو المفتون، في مسألةٍ معينةٍ، فيلجؤون إلى الجمع، أو الترجيح؛ وهنا أيضاً يبرز دور الدراسات القرآنية وآيات الأحكام؛ إذ تخول تفاسيرها للناظر، إمكانيةَ الجمع بين الاجتهادات، أو الترجيح بينها.