ويُعْمِلون اجتهادهم للنَّهْل منهما، فهما بمثابة الأرض بالنسبة للفلاح، وأساليب الاستنباط بمثابة الحرث، والأحكام بمثابة الثمرة. وهذا ديدن الفقهاء، فالمتأمل في كتب الفقه المُعْتنِية بالدليل، يجدها مليئةً بالاستشهادات من القران الكريم وبالاستنباطات من آياته، وبقدر ما يكون مع الفقيه من الإحاطة بكتاب الله تعالى وسبر أغوار آياته وتحرير تفاسيره، بقدر ما يكون مبَرَّزاً في نقل الأحكام واستنباطها.
ويعتبر القرآن الكريم أهم الآلات التي يرجع إليها العلماء لفهم بعض النوازل أو للبث فيها، لأنه يُمَكِّن من فهم الظروف التي أحاطت بالحادثة في زمن ما، مما يُخَوِّل الاستفادة منها في الأزمنة اللاحقة؛ ومن ذلك قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [1] ، فقد استفتي يوسف عليه السلام ثم أفتى بفتوى تنص على تدبير الشأن الاقتصادي، بِادِّخار محصول سنوات الري لسنوات القحط؛ وكذلك تفعل الهيئات الشرعية حين تفتي بفتاوى لتدبير الشأن المصرفي، بحيث تشير على المصرف بما يبقيه في دائرة الشرع، وتسعفه بأدواتٍ شرعيةٍ ترفع من مداخيله أو تَقيه من مغبة الوقوع في الخسائر المَهُولة.
(1) سورة يوسف، الآيات: 46 - 49.