الصفحة 9 من 31

للمعاملات الاقتصادية، ومنطلق الصيغ والمنتجات التمويلية؛ يفتش فيهما الفقيه والمفتي عن الأدلة وآلات الاستنباط، ويتفقد فيهما المهندس المالي المنتجات والصيغ المالية، ويستثمرهما المراقب أو المدقق الشرعي في وضع المعايير، أو تتبع العمليات المصرفية.

فالقرآن الكريم يُستهدى به في مُسْتغلَق الأمور الدينية؛ بل ويُسترشد بهم في بعض مُسْتشكَل الأمور الدنيوية. وتعتبر المعاملات الاقتصادية من أكثر المجالات حاجةً إلى الوحي، فهو محور المالية الإسلامية، وقطب رحاها؛ بحكم أن هذا الميدان قد رام الشريعة الإسلامية، والتي يسهر العلماء على ترشيد تطبيقها، وبثها بين الناس. وما يعتري هذه التطبيقات من قصورٍ أو تقصير فمرده إلى سوء في التطبيق، وليس إلى عيبٍ في الشريعة، والتي تقررت صلاحيتها لكل زمانٍ ومكانٍ، قال علي الشحود:"ومفهوم أن كل أمر أو نهي أو توجيه ورد في القرآن الكريم، كان يواجه حالة واقعة في المجتمع الجاهلي، وكان يتوخى إما إنشاء حالة غير قائمة، وإما إبطال حالة قائمة، فهذه النصوص التي جاءت لتواجه أحوالا بعينها، هي ذاتها التي تواجه الجماعة الإنسانية، في أي طور من أطوارها. وحين نقرأ القرآن نستطيع أن نتبين منه ملامح المجتمع الجاهلي، من خلال أوامره ونواهيه وتوجيهاته كما نستطيع أن نتبين الملامح الجديدة التي يريد أن ينشئها، وأن يثبتها في المجتمع الجديد" [1] .

وإذا علمنا أن كثرة الوقائع الاقتصادية نتج عنه ارتفاعٌ في الطلب على الفتاوى، وأن الإفتاء يتطلب استنفار الاجتهاد في النصوص، فإن القرآن الكريم وتفاسيره وعلومه ملجأٌ وملاذٌ للفقيه بامتيازٍ. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب عن الأسئلة ويحل المشاكل من جهةٍ، ويكون ذلك تشريعاً من جهةٍ أخرى، ولذلك لم يحس صحابته بأي حرجٍ في نقل الأحكام عنه، أو في إصدار أحكامٍ جديدةٍ في النوازل التي لم تكن في عهده [2] ،"فالقرآن والسنة يعملان معاً في تنسيقٍ كاملٍ" [3] . فكانوا يرجعون إليهما فيما يطرأ من الحوادث [4]

(1) بتصرف وتلخيص: القرآن الكريم في مواجهة الجاهلية، علي بن نايف الشحود، ص: 91 - 92.

(2) للمزيد راجع: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، لمصطفى السباعي، 1/ 49.

(3) السنة المفترى عليها، لسالم البهنساوي، ص 324.

(4) انظر: الرد على من ينكر حجية السنة، لعبد الغني عبد الخالق، ص 478.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام