الصفحة 12 من 31

وقد يقول قائلٌ:"أنى لهذه النصوص التي وردت في سياقٍ تاريخيٍّ، ومكانيٍّ معينينٍ، أن تسعفنا في نوازل اليوم، فضلاً عن أن تقدم لنا الحلول؟". والجواب أن ذلك متيسرٌ من خلال القياس والتخريج، لاستنباط الأحكام الفقهية في المسائل المعاصرة، وفق رؤيةٍ شرعيةٍ منضبطةٍ، وشروطٍ معتبرةٍ، تُبقي الفقه حياً مسايراً للواقع، مما يدفع شبهة انحصاره في عصرٍ معينٍ؛ فالحكم الشرعي المُضَمَّن في النص الشرعي جاء تحقيقاً لمصلحةٍ معينةٍ، وهو ثابتٌ ودائمٌ لا يتغير ولا يتبدل؛ لأن المصلحة التي شُرع لتحقيقها لا تتغير ولا تتبدل، لكن تطبيقه على الوقائع قد يتغير من مجتهدٍ إلى آخر، ومن بلدٍ إلى بلدٍ، ومن زمنٍ إلى زمنٍ، مع وحدة الحكم الشرعي وثباته [1] .

ومن ثَمَّ، فالمخارج الشرعية ضروريةٌ في المعاملات الاقتصادية لمواءمة الظروف المعيشة وتخريجها على نصوص الوحيين؛ لأن تلك النصوص ليست قاصرةً على العهد النبوي، وإنما هي حلولٌ وأصولٌ إلى يوم القيامة، وتحضرني هنا القاعدة التي تقول:"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" [2] .

إن البحث في نصوص الوحيين لإيجاد البديل المباح للمعاملة المحظورة، لذو أهميةٍ قصوى في العقود المالية، لأنه يحسس المستفتي بالأمان ويلقحه ضد الوقوع في الربا [3] ، ولذلك قال ابن القيم:"من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيءٍ فمنعه منه، وكانت حاجته تدعوه إليه، أن يدله على ما هو عوضٌ له منه، فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح، وهذا لا يتأتى إلا من عالمٍ ناصحٍ مشفقٍ يريد أن يتاجر"

(1) السنة تشريعٌ لازمٌ ودائمٌ، لفتحي عبد الكريم، ص 93 - 94.

(2) قال عبد الله الجديع:"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن مراعاة السبب أصل لفهم مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، خصوصاً عند اشتباه المعنى، والعموم باق في مثل صورة السبب". تحرير علوم الحديث، 2/ 706.

(3) للمزيد راجع: التحديات المستقبلية للمصرفية الإسلامية-رؤية مقاصدية-، لمسفر بن علي القحطاني.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام