ولما كانت رسالته المذكورة مشتملة على الضلالات والأمور المنكرات عزمت على نقضها مستعيناً بالله ليظهر جهله وتعالمه، وأثبت بأدلة جلية ما نفاه وأدعِّم ذبك بكلام أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وأبين أن الصورة لله تعالى ثابتة في غير الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإن الصورة ثابتة لله تعالى في غير ما حديث في الصحيحين وغيرهما، ولا عبرة بمن تأول الصورة وزعم أن وصف الله بالصورة يقتضي التشبيه، فإن هذا الزعم هو التشبيه إذ المعطل لم يفهم من صفات الخالق إلا كما يفهم من صفات المخلوق، فمن ثم نفى الصورة عن الله كما نفى سائر ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، بدعوى التنزيه، ومنهج السلف الأخذ بكتاب الله وسنة رسول الله، ووصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله دون تحريف أو تمثيل، لأن الله جل وعلا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . فأثبت الله تعالى لنفسه السمع والبصر بعدما نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين، وهذه الآية من أعظم الآيات التي يستدل بها في الرد على المعطلة والمشبهة وسيأتي زيادة بيان لهذه المسألة إن شاء الله تعالى.
فأقول مستعيناً بالله تعالى:
أهل العلم العدول الذين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين يفرقون بين حديث"أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى ..."الحديث.
وبين حديث:"رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء". فالأول جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من رواية ابن عباس ومعاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عائش، وثوبان، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي رافع وغيرهم، وهو حديث صحيح صححه جمع من أهل العلم بالحديث، ولم ينفرد الترمذي بتصحيحه كما يوهمه كلام السقاف.
وبرهان ذلك أن يقال: حديث ابن عباس خرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (ج 1/ 368) ، والترمذي في جامعه (ج 5/ 342) ، وابن خزيمة في التوحيد (ج 2/ 540) كلهم من طريق أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"أتاني اليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة قال: أحسبه في المنام: فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى، قال: قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثدييّ أو قال: في نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، قال: يا محمد: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الكفارات ...". الحديث.
ورواته كلهم ثقات.