فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 54

كونهم يخالفونه في التصحيح أو التحسين فهذا لا ينفرد به الترمذي فكل يؤخذ من قوله ويترك في الجرح والتعديل، فليس هناك أحد من أئمة الجرح تقابل أقواله بالقبول مطلقاً بل توزن بأقوال غيره فما ظهر رجحانه أخذ به.

وثانياً: كونه -أي الترمذي- يحسن أحاديث كثير بن عبد الله لا يدل على تساهله فإن الخطأ في توثيق من ضعفه الجمهور لا يسمى تساهلاً وإلا للزم من ذلك رمي جهابذة أهل الحديث ونقاده بالتساهل كالبخاري مثلاً فإنه حسّن حديث كثير بن عبد الله في الساعة التي ترجى يوم الجمعة.

قال في بحر الدم ص"357":"قال الترمذي: قلت للبخاري في حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده في الساعة التي ترجى يوم الجمعة قال: حديث حسن إلا أن أحمد بن حنبل كان يحمل على كثير يضعفه".

وهذا الإمام مسلم رحمه الله يخرج في صحيحه لعمر بن حمزة مع أنه ضعيف الحديث.

وخرج أيضاً لمصعب بن شيبة مع أنه لين الحديث، وقد ضعفه جماعة من أهل الحديث، فهل يوصف الإمام مسلم بالتساهل؟! ولو سلكنا هذا المسلك لما سلم عندنا إلا القليل من الأئمة لا يوصف بالتساهل.

والحاصل أن تخريج الترمذي رحمه الله لبعض الضعفاء وتحسين أحاديثهم ليس من باب التساهل إنما هو من باب الاجتهاد السائغ، لوجود الخلاف في الراوي ولا يستطيع أحد أن يورد راوياً اتفق الحفاظ على تضعيفه ووثقه الترمذي.

وقد يخرج الترمذي رحمه الله للراوي الضعيف ويحسن أحاديثه لشواهده فيأتي من لا يحسن ويقول: الترمذي حسّن حديثه!! وهذا تساهل من الترمذي، وهذا من أقبح الجهل بمنهج الترمذي خصوصاً وبعلم الحديث عموماً، فالله المستعان.

وهناك رجل ضعفهم الترمذي رحمه الله وقوى أمرهم غيره فهل يدل ذلك على تساهلهم؟ لا، ولا يقول ذلك من له معرفة بالحديث، فمن ذلك عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعف الترمذي حديثه، ومع ذلك نقل رحمه الله عن البخاري أنه قوّى أمره وقال فيه:"مقارب الحديث" [1] .

(1) - انظر جامع الترمذي ج 1/ 384 باب ما جاء أن من أذّن فهو يقيم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام