ولا يعبأ الحفاظ أطباء علل الحديث بتصحيح الحاكم شيئاً، ولا يرفعون به رأساً البتة، بل لا يدل تصحيحه على حسن الحديث بل قد يصحح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك، فليس بمعيار على سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئاً. والحاكم نفسه يصحح حديث جماعة وقد أخبر في كتاب"المدخل"له أنه لا يحتج بهم وأطلق الكذب على بعضهم""
والأدلة الدالة على تساهل الحاكم في التصحيح كثيرة:
منها: أنه ذكر في مستدركه (ج 2/ 617) حديث أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر فنزلنا منزلاً فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفورة المثاب لها. قال: فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاث مائة ذراع فقال لي من أنت؟ قال قلت: أنس بن مالك خادم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أين هو؟ قلت: هو ذا يسمع كلامك. قال: فأته واقرأه مني السلام، وقل له: أخوك إلياس يقرئك السلام ... إلخ. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
أقول: لا يشك عالم بالحديث أن هذا الحديث موضوع مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد قال الذهبي متعقباً على قول الحاكم:"صحيح"بل هو موضوع قبح الله من وضعه وما كنت أحسب ولا أجوّز أن الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحح هذا.
ومنها: أنه ذكر في مستدركه (ج 3/ 129) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول:"هذا أمير البررة قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مدّ بها صوته". وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقد تعقبه الذهبي رحمه الله فقال:"بل والله موضوع وأحمد كذاب فما أجهلك على سعة معرفتك". ويعني الذهبي بأحمد أحد رواة السند.
ومنها: أنه ساق في مستدركه (4/ 511) حديث ابن عمر من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سئل عن طعام المؤمنين في زمن الدجال قال:"طعام الملائكة، قالوا: وما طعام الملائكة؟ قال: طعامهم منطقهم بالتسبيح والتقديس فمن كان منطقه يومئذ التسبيح والتقديس أذهب الله عنه الجوع فلم يخش جوعاً".