وهذا كقوله تعالى:"لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ" [1] ،"لقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْن مَرْيَمَ" [2] وأمثال ذلك.
وأمّا الثاني: فالقلب إذا كان معتقداً صدقَ الرَّسول، وأَنَّه رسول الله، وكان محِبَّاً لرسول الله معظِّماً له، إمتنع مع هذا أن يلعنَه ويسبَّه فلا يُتَصَّور ذلك منه إلاَّ مع نوعٍ من الإستخفاف به وبحرمَتِه، فَعُلِم بذلك أنَّ مجرَّد إعتقاد أَنَّه صادق لا يكون إيماناً إلاَّ مع محبَّته وتعظيمه بالقلب. إنتهى
و هذا غير من يقول كفر الظاهر يستلزم كفر الباطن مع جعله مناط التكفير هو ذاك الظاهر فهذا حق لتلازم بين الظاهر و الباطن. قال [3] شيخ الإسلام: وقال تعالى في حق المستهزئين"لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"فبيّن أنّهم كفار بالقول مع أنّهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدّم من أنّ التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه إستهانة وإستخفاف، كما أنّه يوجب المحبة والتعظيم وإقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنّة الله في مخلوقاته؛ كإقتضاء إدراك الموافق للذة وإدراك المخالف للألم، فإذا عدم المعلول كان مستلزما لعدم العلة، وإذا وجد الضد كان مستلزما لعدم الضد الآخر، فالكلام والفعل المتضمن للإستخفاف والإستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الإنقياد والإستسلام فلذلك كان كفرا. إنتهى
فَفَرْقٌ بين من يقول هذا العمل أو القول كفرٌ لكذا، وبين من يقول هذا ليس كفراً لكنَّه دليلٌ أو علامةٌ على الكفر فالأوَّل يثبت الكفر ويعلِّلُه والآخر ينفي الكفر ويُثْبِتُ دليلَه أو علامتَه.
(1) - سورة المائدة: 73.
(2) - سورة المائدة: 17.
(3) - الصارم المسلول 3/ 976