الصفحة 2 من 101

أمّا بعد: ظهر في هذه الأزمان إنتشار غريب لمذهب الإرجاء تحت مظلّة الدعوة السلفية و أوّل ما بدأت به هذه الدعوة زحفها التفريق بين الأحبّة بإسم الجرح و التعديل و الضابط في هذا الفن عندهم هو الحفاظ على كراسي حكّامهم، فكلّ من كشف حقيقة هذه الحكومات و حقيقة ما يحكمون به الأمّة يُتّهم في دينه و يُحذّر منه، حتّى سرى هذا المذهب بهذه الذريعة ذاتها إلى تحريف مسائل الردّة و التكفير، بل دلّس بعضهم و لبّس على الأمّة لمّا جعل مسألة التكفير و الّتي هي حكم من أحكام شريعة الله تعالى من المسائل الفكرية الخاضعة للردّ و القبول، هذا الخلط و الخبط بهذا الحكم الشرعي جعلهم يتخبّطون نفس التخبط في مسائل الإيمان، فمرّة يوافقون مرجئة الفقهاء، و مرّة مع الأشاعرة، و مرّة جهمية في مسائل الإيمان. عن عطاء بن السائب قال: ذكر سعيد بن جبير المرجئة فضرب لهم مثلا قال: مثلهم مثل الصابئين، إنّهم أتوا اليهود فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: اليهودية، قالوا فما كتابكم؟ قالوا: التوراة، قالوا فمن نبيّكم قالوا: موسى، قالوا فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، ثمّ أتوا النصارى فقالوا: ما دينكم؟ قالوا: النصرانية، قالوا فما كتابكم؟ قالوا: الإنجيل، قالوا فمن نبيّكم قالوا: عيسى، ثمّ قالوا فماذا لمن تبعكم؟ قالوا: الجنة، قالوا - أي بعدما سمعوا جواب الطائفتين: فنحن بين دينين [1] والغريب لمّا يجد هذا المنهج العفن صدى عند بعض الناس، لكن لعلّ هذه الغرابة تقلّ لمّا نعلم الجهود المبذولة من داخل بلداننا و من خارجها لنشر هذه العقيدة العفنة بإسم الوسطية و الإعتدال في طرح القضايا، حيث رأوا أنّ من أفضل الفلسفات و الأفكار الّتي تخدمهم في هذه المرحلة و خاصّة عند معاملتهم مع أهل السنّة في بعض المناطق من هذا العالم هو فكر و فلسفة الإرجاء فاختاروه من بين الأفكار الأخرى و روّجوه بين الأنام و أحسنوا في إختيار لباس هذا الفكر إذ جعلوه تحت قميص الدعوة السلفية، و ليعلم الجميع أنّ هذا الفكر أو هذا الدّين أقصد الإرجاء، لم يأت من فراغ، و لا يُنفق عليه من أجل لا شيء، فالمُنفق لا يعرف الصدقات و لا عنده الإعطاء في سبيل الله أبدا، هذه الظاهرة جاءت لتخدم مصالح بعض الأطراف في هذه المرحلة الّتي تتّسم بإحتلال أراضي المسلمين و إستغلال ثرواتها و تدنيس أراضيها، كما تتّسم هذه المرحلة بهيمنة القطب الواحد الّتي يطلق عليه العولمة، و أخطرها عولمة الثقافة الّذي هو وسيلة إنسلاخ شباب الإسلام عن دينه، كما تتّسم هذه المرحلة بترسيخ القوانين العلمانية لتحكيم الشعوب الإسلامية.

فما السكوت على الحكام المبدّلين لشريعة الله إلاّ ببركة هذا المنهج، و ما إسباغ الشرعية على هذه القوانين الوضعية و حكامها إلاّ ببركة هذا المنهج، و ما الإستخفاف بالجهاد في سبيل الله لدحض الغزاة إلاّ ببركة هذا المنهج، و ما السكوت على الإنتهاكات ضدّ المسلمين المسجونين سواء في سجون الطواغيت أو سجون المعتدين المحاربين إلاّ ببركة هذا المنهج، و ما السكوت على غزو أراضي الإسلام و إنتهاك حرمات أهله إلاّ ببركة هذا المنهج.

عن سفيان قال: قال إبراهيم: تركتْ المرجئة الدّين أرق من ثوب سابري [2]

(1) - رواه عبد الله بن أحمد 1/ 312 - 324، الآجري 3/ 680

(2) - رواه عبد الله بن أحمد1/ 313، والثوب السابري نوع من الثياب رقيق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام