وتكمل لهم الراحة والأمن والحرية التامة، والسياسة العامة لجميع الملل والرعايا المختلفة الأصناف والألسنة والأمزجة، ومن شك في هذا فلينظر الفرق بين حال الإسلام في هذه القرون المتأخرة التي عطلت فيها حدود الشريعة وأحكامه وحاله في القرون المتقدمة التي ما كانت على شيء أحفظ منها على أحكام الشريعة وأرعى لها، يجد الفرق كما بين الثرى والثريا، وكما بين الأرض والسماء، وكما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل
ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة نبيهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتحوا ما فتحوا من الأقاليم والبلدان، ونشروا الإسلام والإيمان والقرآن في مدة نحو مائة سنة مع قلة عدد المسلمين وعددهم، وضيق ذات يدهم، ونحن مع كثرة عَددنا، ووفرة عُددنا، وهائل ثروتنا وطائل قوتنا لا نزداد إلا ضعفا وتقهقرا إلى وراء وذلا وحقارة في عيون الأعداء، وذلك لأن من لا ينصر دين الله لا ينصره" (15) ."
15 -"تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن" (ص 25 - 26) .