وإن سبب نزول هذه الآية الكريمة ما رواه الشيخان من طريق عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه حدثه:
"أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شِرَاجٍ الحرة (13) ، التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه؟ فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] الآية".
قال الشيخ سليمان بن سحمان:
"أقسم - الله تعالى - بنفسه أن الخلق لا يؤمنون، حتى يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النِّزاع، فإذا حكم انتفى الحرج باطنا، وحصل التسليم الكامل ظاهرا، فمن لم يحصل منه ذلك فالإيمان منتف عنه، وقد تظاهرت الأدلة الشرعية، بالدلالة على ذلك، فذم الله في كتابه من أعرض عن حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ."
13 - (شراج) بالشين المعجمة وبالجيم: هو مسيل الماء.
قوله: (من الحرة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: أرض ذات حجارة سود.