"وهذا الحديث مما طنطن به ملحدو مصر وصنائع أوربا فيها، من عبيد المستشرقين، وتلامذة المبشرين، فجعلوه أصلا يحاجُّون به أهل السنة وأنصارها، وخدام الشريعة وحماتها، إذا أرادوا أن ينفوا شيئا من السنة، وأن ينكروا شريعة من شرائع الإسلام، في المعاملات وشؤون الاجتماع وغيرها، يزعمون أن هذه من شؤون الدنيا، يتمسكون برواية أنس: (أنتم أعلم بأمر دنياكم) ، والله يعلم أنهم لا يؤمنون بأصل الدين، ولا بالألوهية، ولا بالرسالة، ولا يصدقون القرآن، في قرارة نفوسهم، ومن آمن منهم فإنما يؤمن لسانه ظاهرا، ويؤمن قلبه فيما يخيل إليه، لا عن ثقة وطمأنينة، ولكن تقليدا وخشية، فإذا ما جد الجد، وتعارضت الشريعة، الكتاب والسنة، مع ما درسوا في مصر أو في أوربا، لم يترددوا في المفاضلة، ولم يحجموا عن الاختيار، فضَّلوا ما أخذوه عن سادتهم، واختاروا ما أُشْرِبَته قلوبهم! ثم ينسبون نفوسهم بعد ذلك، أو ينسبهم الناس، إلى الإسلام!! والحديث واضح صريح، لا يعارض نصَا، ولا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة في كل شأن، لأن رسول الله لا ينطق عن الهوى، فكل ما جاء عنه فهو شرع وتشريع {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} ، وإنما كان في قصة تلقيح النخل أن قال لهم: (ما أظن ذلك يغني شيئا) فهو لم يأمر ولم ينه، ولم يخبر عن الله، ولم يسن في ذلك سنة، حتى يُتوسع في هذا المعنى إلى ما يُهدم به أصل التشريع، بل ظن، ثم اعتذر عن ظنه، قال: (فلا تؤاخذوني بالظن) ، فأين هذا مما يرمي إليه أولئك؟ هدانا الله وإياهم سواء السبيل" (21) .
وقال رحمه الله في"حكم الجاهلية" (ص 114 - 115) :
21 -"مسند الإمام أحمد"2/ 177 تحقيق أحمد شاكر.