الصفحة 109 من 1115

المكلفين بالاقتضاء أو التخيير [1] .

وقولنا كلام الله: أجود من قول من قال خطاب الله [2] ؛ لأن الخطاب [3] إنما يكون من اثنين وحكمه تعالى قديم فلا يصح فيه الخطاب وإنما يكون ذلك في الحادث [4]

والقديم: يخرج الحادث بالألفاظ التي هي أدلة الحكم، فإنها كلام الله تعالى وهو متعلق بأفعال المكلفين نحو: {? ? ?} [5] فلو كانت حكما لاتحد الدليل والمدلول [6] .

(1) انظر هذا التعريف في شرح تنقيح الفصول ص 67.

(2) جمهور الأصوليين عرفوا الحكم بأنه خطاب. انظر: المحصول 1/ 15، المستصفى 1/ 177، الإحكام للآمدي 1/ 95، المستصفى 1/ 177، روضة الناظر 1/ 77، تحفة المسؤول 2/ 15، أصول الفقه لابن مفلح 1/ 181، نهاية السول 1/ 47، مختصر ابن الحاجب مع شرح الأصفهاني 1/ 325، شرح الكوكب المنير 1/ 333 - 334.

(3) الخطاب لغة: مصدر خاطب، وهو مراجعة الكلام، يقال: خاطبه بالكلام مخاطبة وخِطابا وهما يتخاطبان.

واصطلاحا: توجيه الكلام لمخاطب بقصد الإفهام. وقيل: الخطاب هو الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ للفهم. انظر: العين ص 252، الصحاح 1/ 121، تيسير التحرير 2/ 131، الإحكام للآمدي 1/ 95، مختصر ابن الحاجب مع شرح الأصفهاني 1/ 325، 332، شرح الكوكب المنير 1/ 334.

(4) أنكر الأشعري تسمية كلام الله أو الحكم الشرعي خطابا، وقال: لا يسمى خطابا إلا عند وجود المُخاطَب، وجزم الباقلاني بالمنع؛ لأنه لا يعقل إلا من مخاطِب ومخاطَب. التقريب والإرشاد 1/ 335 وتابعه القرافي في شرح تنقيح الفصول ص 67 ونفائس الأصول 1/ 218 - 219 واعترض على تعريف الرازي القائل بأنه خطاب. وما ذكره المصنف رحمه الله من تعليل تبعا لغيره من امتناع إطلاق الخطاب على حكم الله لا يلزم مَن يقول بأن الله يتكلم إذا شاء بصوت وحرف، وإنما يلزم أهل الكلام القائلين بأن كلام الله معنى قائم بالنفس.

(5) سورة البقرة، الآية: 43.

(6) مراد المصنف رحمه لله أن الكلام اللفظي ليس بحكم بل هو دال عليه والمتعلق أصالة بفعل المكلفين هو الكلام النفسي القديم وهو الذي يسمى حكما. قال القرافي: في شرح محترزات تعريف الحكم: الكلام: احترازا من الخطاب الحادث، والكلام القديم: احترازا من الكلام الحادث الذي هو آيات القرآن، فإنها أصوات حادثة وهي الأدلة، وأما الحكم فمدلول قديم قائم بذات الله تعالى. نفائس الأصول 1/ 219.

وهذا الكلام مبني على أصل مذهب الأشاعرة القائلين بأن كلام الله معنى قديم قائم بالنفس لا متعلق له بالقدرة والمشيئة وأنه لازم لذات الرب جلا وعلا كلزوم الحياة والعلم وأنه لا يُسمع على الحقيقة، والحروف والأصوات عبارة عنه وهي مخلوقة. وجمهور العقلاء يقولون: إن تصور هذا المذهب كاف في الجزم في بطلانه، وهو مذهب مبني على مسألة إنكار قيام الأفعال الاختيارية بالرب تعالى ويسمونها مسألة حلول الحوادث، وحقيقتها إنكار أفعاله وربوبيته وإرادته ومشيئته.

وأما أهل السنة والجماعة أثبتوا لله صفة الكلام كما أثبتوا له سائر الصفات، وقالوا: إن الله تعالى يتكلم إذا شاء بما شاء، وأن كلامه يُسمع وأن القرآن جميعه حروفه ومعانيه نفس كلامه الذي تكلم به حقيقة لا مجازا ليس بمخلوق ولا بعضه قديما وهو المعنى، وبعضه مخلوقا وهو الكلمات والحروف، وأن كلامه صفة قائمة بذاته ليس مخلوقا بائنا عنه وهي صفة ذات وفعل وقد دل على هذا القرآن والسنة والإجماع: قال تعالى: { ? ? ? ? ? ? ?•?} [الأعراف: 11] وإنما قال لهم اسجدوا بعد خلق آدم وتصويره. وقال تعالى: { ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?} [الأعراف: 143] وقال - عز وجل: {?•? ? ? ? ?} [القصص: 65] وقوله: {?•? ? ?} [ق:30] وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان ) )أخرجه البخاري في الرقاق، باب من نوقش الحساب عذب 4/ 198 رقم 6539، ومسلم في الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق ثمرة 2/ 703 رقم 1016. إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة الدالة دلالة صريحة لا لبس فيها ولا شبهة أن الله قال ويقول، وتكلم ويتكلم، ونادى وينادي، وفي معناها خاطبَ ويخاطِب، ويُحدث كلاما مسموعا إذا شاء بحرف وصوت يُسمعه من شاء من عباده حقيقة لا مجازا كما زعمت المتكلمة. قال أبو نصر السجزي رحمه الله (ت 444 هـ) في مقدمة رسالته لأهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 81:"... فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفا وصوتا"انتهى. والله الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد. وانظر التفصيل في: خلق أفعال العباد للبخاري ص 14 - 33، رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 145 - 169، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 2/ 450 - 457، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار 1/ 99، 103، 2/ 541 - 574، روضة الناظر 2/ 57، الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم ص 21 - 47، مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/ 133 - 140، 12/ 37 - 53،121 - 133، مختصر الصواعق ص 410 - 437، شرح مختصر الروضة 2/ 11 - 20، شرح العقيدة الطحاوية 1/ 185 - 204، المذكرة في أصول الفقه للشنقيطي ص 54.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام