الزمان كانت قائمة وقد أظهرها الخليل صلى اللّه عليه وسلم حيث قال: إِنِّي بَرِي ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 78، 79] ، وبذلك أمر خاتم النبيين عليه السلام قال على مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ [الحج: 78] ، وقال: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [الأنعام: 14] ، وقال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ [الأنعام: 79] ، الآية وغيرها من الآيات وفيه فصول كثيرة ذكرناها في كتاب الملل والنحل.
وأما الجواب: عن مسألة إمهال النظر وإفحام الأنبياء فإنما يلزم الإفحام على من قال بالمهلة ويجب على النبي إمهال النظر وذلك مذهب المعتزلة، وأما من قال بأنه لا يمهله ولا يجب عليه أن يمهله، بل يجيب بأني جئت لأرفع المهلة وأرشدك إلى معرفة المرسل بأن أخبر عنك بما لا يمكنك إنكاره، وهو احتياجك إلى صانع فاطر حكيم إذ كنت تعرف ضرورة أنك لم تكن فكنت، وما كنت بنفسك، بل بكون غيرك وهذه هي ابتداء الدعوة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21] ، فكيف يمهله ويكله إلى نفسه وهو مأمور بدعوة الناس إلى التوحيد والمعرفة حالة فحالة وشخصا فشخصا والاستمهال إنما يتوجه إذا خلت الدعوة من الحجة الملزمة، والدلالة المفحمة فإن من تحققت رسالته في نفسها وتصدى لدعوة الناس إلى وحدانية اللّه تعالى لا يخلي دعوته عن الدلالة على التوحيد أولا ثم يتحدى بالرسالة عنه ثانيا اعتبر حال جميع الأنبياء عليهم السلام في دعوتهم أما آدم أبو البشر فقد ثبت صدقه بإخبار اللّه تعالى ملائكته إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] ، فلم يكن في أول زمانه من كان مشركا فيدعوه إلى التوحيد وحين أمروا بالطاعة فمن صدق اللّه تعالى في خبره فسجد له بأمره، ومن لم يسجد فكأنه لم يصدق فاستحق اللعنة وهو أول من كفر، وأما نوح عليه السلام فأول كلامه مع قومه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون: 32] ، فأثبت التوحيد ثم النبوة فقال: أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ [الأعراف: 69] ، وأما هود بعده فقال: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ