عليه السلام أن لا يكون موكولا لنفسه طرفة عين فلا ينطق عن الهوى ولا يتحرك إلا على متن الهدى، وذلك هو العصمة الإلهية المقيمة لنفسه المقومة لذاته ولئن كان النطق فصلا ذاتيا لنوع الإنسان وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 3، 4] ، فصل ذاتي لنفس النبي عليه السلام أعرف الإشارة ولا تؤاخذني بالعبارة ونقول أنتم معاشر الصابئة سلمتم بنبوة عاذيمون وهرمس وهما شيث وإدريس عليهما السلام فبم عرفتم صدقهما أ بمجرد الدعوى والخبر أم بدليل ونظر وكل ما قدرتموه دليلا في حق شخص واحد ثبتت به نبوته أو على الجملة صدقه في جميع أقواله فهو دليل المخبر الثاني والثالث وإن أحلتم الرسالة في الصورة البشرية فهما بشر مثلكم وأنتم مخبرون عنهما بشر مثلنا.
فإن قلتم: إنهما كانا حكيمين عالمين لا نبيين مرسلين قيل وبم وجب عليكم اتباعهما والمحافظة على حدودهما وأحكامهما وانتهاج مناهجهما في الدعوات والصلوات والصيام والزكاة، وقد تساوت أقدامكم في العقول والأنفس وتشابهت صوركم في البشرية والإنسانية.
ومن عجب ما يلزم منكري النبوة: أن من أنكر النبوة فقد أقر بها من حيث أنكرها فإن النبوة لا معنى لها إلا الخبر عن اللّه تعالى بأنه أرسل رسولا، ومن أنكر فقد ادعى أنه مخبر عن اللّه أنه لم يرسل رسولا فقد ادعى الرسالة لنفسه فكان إنكاره إقرارا وعاد إنكاره تسليما، ومن سلم أن للّه على عباده تكليفا وأمرا فقد سلم أنه يرسل رسولا، وإنما النزاع وقع في أن الرسالة هل تتصور في الصورة البشرية وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 94] ، وإذا بينا أن البشرية لا تنافي الرسالة، فقد أثبتنا جواز انبعاث الرسل والصابئة سلموا الرسالة للروحانيات، وأوجبوا التوجه إلى هياكلها من الكواكب السبعة، وعملوا الأشخاص على صورة الهياكل فتقربوا إليها وذلك عود إلى الصورة والأصنام، والحنفاء سلموا الرسالة للجسمانيات، وأوجبوا التوجه إلى أشخاصهم ولم يتخذوا أصناما آلهة ولا اعتقدوا النبيين أربابا لكنهم قالوا لهم طرفان بشرية ورسالة قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 93] ، فبطرف البشرية يشاكل نوع الإنسان ويشاركه فيأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويحيي ويموت وبطرف الرسالة يشاكل نوع الملائكة ويشاركه فيسبح ويقدس ويبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه وتنام عيناه ولا ينام قبله ويموت قالبه ولا يموت روحه والمناظرة بين الفريقين في أول