فهرس الكتاب
الصفحة 151 من 284

ولما لم نجد في الملة الإسلامية من يخالفنا في كون الباري تعالى متكلما بكلام قدمنا هذه المسألة وإن جرت العادة بتقديم المسألة الأخيرة ولم يخالفنا في ذلك إلا الفلاسفة والصابئة ومنكرو النبوات وطرق متكلمي الإسلام تختلف.

فطريق الأشعرية: أن قالوا دل العقل على كون الباري تعالى حيا والحي يصح منه أن يتكلم ويأمر وينهى كما يصح منه أن يعلم ويقدر ويريد ويسمع ويبصر، فلو لم يتصف بالكلام أدى إلى أن يكون متصفا بضده وهو الخرس والعي والحصر وهي نقائض ويتعالى عنها.

والذي يتحقق هذه الطريقة قولهم: قد ثبت بدليل العقل أنه ملك مطاع، ومن حكم الملك أن يكون منه أمر ونهي، كما دل تردد الخلق في صنوف التغايير والحوادث والجائزات على كون الباري تعالى قادرا عالما دل تردد الخلق في صنوف الأمر والنهي على أمر الباري ونهيه وكما جرى في ملكه تقديره جرى على عباده تكليفه وكما تصرف في الموجودات الجبرية جبرا وقهرا تصرف في الموجودات الاختيارية تكليفا وتعريفا.

وقد سلك الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني رحمه اللّه منهاجا آخر فقال: دلت الأفعال بإتقانها وإحكامها على أنه تعالى عالم ويستحيل أن يعلم شيئا ولا يخبر عنه، فإن الخبر والعلم يتلازمان، فلا يتصور وجود أحدهما دون الثاني ومن لا خبر عنده عن معلومه لا يمكنه أن يخبر غيره عنه، ومن المعلوم أن الباري يصح منه التكليف والتعريف والإخبار والتنبيه والإرشاد والتعليم، فوجب أن يكون له كلام وقول يكلف ويعرف ويخبر وينبه بذلك فإذا ثبتت هذه الدلائل كونه متكلما.

فنقول: إما أن يقال هو متكلم لنفسه أو متكلم بكلام ثم إن كان متكلما بكلام فإما أن يكون كلامه قديما أو حادثا، وإن كان حادثا فإما أن يحدث في ذاته أو في محل

(1) انظر: شرح قصيدة ابن قيم لابن عيسى (1/ 295، 298) ، وشفاء العليل لابن قيم (153) ، وغاية المرام للآمدي (ص 88، 104) ، ومقالات الإسلاميين للأشعري (ص 601، 603) ، والملل والنحل للمصنف (1/ 80) ، والتمهيد للباقلاني (ص 299) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام