والشي ء أعرف من أن يحد بحد أو يرسم برسم لأنه ما من لفظ يدرجه في تحديد الشي ء إلا وهو أخفى من الشي ء والشي ء أظهر منه، وكذلك الوجود، ولو أدرجت في التحديد ما أو الذي أو هو فذلك عبارة عن الوجود والشيئية فتعريفه بشي ء آخر محال، ولأن الشي ء المعرف به أخص من الشيئية والوجود وهما أعم من ذلك الشي ء فكيف يعرف شيئا بما هو أخص منه وأخفى منه ومن حد الشي ء أنه الموجود فقد أخطأ، فإن الوجود والشيئية شيئان في الخفاء والجلاء، ومن حده ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فقد أخطأ، فإنه أدرج لفظ ما في الحدود ومعناه أنه الشي ء الذي يعلم فقد عرفه بنفسه، لعمري قد يختلف الاصطلاح والمواضعة فالأشعرية لا يفرقون بين الوجود والثبوت والشيئية والذات والعين، والشحام من المعتزلة أحدث القول بأن المعدوم شي ء وذات وعين، وأثبت له خصائص المتعلقات في الوجود مثل قيام العرض بالجوهر وكونه عرضا ولونا وكونه سوادا وبياضا وتابعه على ذلك أكثر المعتزلة غير أنهم لم يثبتوا قيام العرض بالجوهر ولا التحيز للجوهر ولا قبوله للعرض، وخالفه جماعة فمنهم من لم يطلق إلا اسم الشيئية ومنهم من امتنع من هذا الإطلاق أيضا مثل أبي الهذيل، وأبي الحسين البصري، ومنهم من قال الشي ء هو القديم وأما الحادث فيسمى شيئا بالمجاز والتوسع وصار جهم بن صفوان إلى أن الشي ء هو المحدث والباري سبحانه مشيّئ الأشياء.
(1) انظر: المواقف للإيجي (1/ 96، 266) ، والتبصير في الدين (ص 84) ، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 143) ، وشرح قصيدة ابن قيم لابن عيسى (2/ 183) ، والفرق بين الفرق للبغدادي (ص 317) ، والجواب الصحيح لابن تيمية (4/ 315) ، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (1/ 35) (5/ 44، 46) ، والملل والنحل للمصنف (2/ 77) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (8/ 18، 20) ، والنبوات له (ص 84) ، وكذلك بيان تلبيس الجهمية (1/ 518) (2/ 322) ، والإشارات والتنبيهات لابن سينا (ص 475، 483) ، والتمهيد للباقلاني (ص 52) .