مذهب أهل الحق: أن العقل لا يدل على حسن الشي ء وقبحه في حكم التكليف من اللّه شرعا على معنى أن أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا، بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على اللّه ثوابا أو عقابا، وقد يحسن الشي ء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسية، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذم فاعله، وإذا ورد الشرع بحسن وقبح لم يقتض قوله صفة للفعل وليس الفعل على صفة يخبر الشرع عنه بحسن وقبح ولا إذا حكم به ألبسه صفة فيوصف به حقيقة وكما أن العلم لا يكسب المعلوم صفة ولا يكتسب عنه صفة كذلك القول الشرعي والأمر الحكمي لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة، وليس لمتعلق القول من القول صفة كما ليس لمتعلق العلم من العلم صفة.
وخالفنا في ذلك الثنوية والتناسخية والبراهمة والخوارج والكرامية والمعتزلة فصاروا إلى أن العقل يستدل به حسن الأفعال وقبحها على معنى أنه يجب على اللّه الثواب والثناء على الفعل الحسن ويجب عليه الملام والعقاب على الفعل القبيح والأفعال على صفة نفسية من الحسن والقبيح، وإذا ورد الشرع بها كان مخبرا عنها لا مثبتا لها، ثم من الحسن والقبح ما يدرك عندهم ضرورة كالصدق المفيد والكذب الذي
(1) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص 17) ، والصواعق المرسلة له (2/ 495) (4/ 1261، 1450) ، وغاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص 65، 233، 244، 330، 358) ، والملل والنحل للمصنف (1/ 15، 32) ، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/ 415) (3/ 28) (5/ 127) ، والعقيدة الأصفهانية (ص 203) ، وبيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (ص 214) ، والمواقف للإيجي (2/ 131، 275، 286، 359، 426) ، الغنية في أصول الدين للنيسابوري (ص 137) ، ومرهم العلل المضلة لليافعي (ص 47، 98، 99) .