فهرس الكتاب
الصفحة 205 من 284

قيل هذا ما يخالف الظاهر من كل وجه ومع مخالفته لا يجوز أن يسأل النبي سؤالا محالا لقومه وقرينة المقال تدل على أن السؤال كان مقصورا عليه من كل وجه إذ قال وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الأعراف: 143] إلى آخر الآية ومنع موسى لا ينتهض إلزاما على القوم بل تقرير الحجة القاطعة على أن اللّه تعالى لا يجوز أن يكون مرئيا يكون إلزاما فكيف نجا موسى على من السؤال بلن تراني ولكن انظر إلى الجبل ولم ينج قومه من السؤال في قولهم:

أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153] ، إلا بالصاعقة المهلكة والعذاب والأليم، ولما قال قومه: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138] ، لم يلزمهم بالسؤال عن اللّه تعالى بل أجابهم في الحال: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138] ، إذ كان السؤال محالا، فكذلك الرؤية لو كانت مستحيلة لأجابهم في الحال ورفع شبههم بالمقال ومثل هذه الحالة لو قدرت المعتزلة ما استجازوا تأخير البيان عن وقت الحاجة ولعدوا سؤال المسئول من مسئول آخر اتهاما آخر على شبهة قد تحققت لهم.

ومما تمسك به قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ 22 إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ[القيامة:

22، 23]، والنظر إذا تعرى عن الصلات كان بمعنى الانتظار وإذا وصل بلام كان بمعنى الإنعام وإذا وصل بفي كان بمعنى التفكر والاستدلال وإذا وصل بإلى تعين للرؤية ولا يجوز حمله على الثواب فإن نفس رؤية الثواب لا يكون إنعاما وقد أورد النظر في معرض الإنعام واللفظ نص في رؤية البصر بعد ما نفيت عنه التأويلات الفاسدة.

واعلم أن هذه المسألة سمعية، أما وجوب الرؤية فلا شك في كونها سمعية، وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه، وقد وردت عليه تلك الإشكالات ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التقصي عنها كل الحركة، فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضا مسألة سمعية، وأقوى الأدلة السمعية فيها قصة موسى عليه السلام مما يعتمد كل الاعتماد عليه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام