فهرس الكتاب
الصفحة 204 من 284

وَ بِكَلامِي [الأعراف: 144] ، فالرسالات بواسطة الرسل والكلام من غير واسطة لكنه من وراء حجاب، وأما في حقنا فكلام اللّه تعالى مسموع بأسماعنا مقروء بألسنتنا محفوظ في صدورنا وقد تبين الفرق بين القراءة والمقروء في مسألة الكلام «1» .

ومما تمسك به الأشعري في جواز رؤية الباري جلّ جلاله سؤال موسى عليه السلام رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: 143] ، وجواب الرب تعالى: لَنْ تَرانِي [الأعراف: 143] ، ووجه الاستدلال أن موسى عليه السلام هل كان عالما بجواز الرؤية أم كان جاهلا بذلك، فإن كان جاهلا فهو غير عارف باللّه تعالى حق معرفته، وليس يليق ذلك بجناب النبوة، وإن كان عالما بالجواز فقد علمه على ما هو به والسؤال بالجائز يكون لا بالمستحيل وجواب الرب تعالى لَنْ تَرانِي[الأعراف:

143]، يدل على الجواز أيضا فإنه ما قال لست بمرئي لكنه أثبت العجز أو عدم الرؤية من جهة الرائي وعن هذا قال وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي [الأعراف: 143] ، إذ الجبل لما لم يكن مطيقا للتجلي مع شدته وصلابته فكيف يكون البصر مطيقا فربط المنع بأمر جائز ومع جوازه أحال المنع على ضعف الآلة لا على منع الاستحالة أ ليس لو كان السؤال أَرِنِي أَنْظُرْ[الأعراف:

143]، إلى وجهك أو إلى شخصك وصورتك لم يكن الجواب بقوله:

لَنْ تَرانِي [الأعراف: 143] بل لست بذي شخص وصورة ووجه ومقابلة فدل أن السؤال كان بأمر جائز فتحقق الجواز، وإن قيل لن للتأبيد فهو محال من وجهين أحدهما:

أن لن للتأكيد لا للتأبيد أ ليس قال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [الكهف: 72] ، وهو جائز غير محال والثاني: أنه وإن كان للتأبيد فليس يدل على منع الجواز بل يدل على منع وقوع الجائز وإنما استدللنا بالآية لإثبات الجواز وتأبيد لن لا ينافيه.

فإن قيل سأل الرؤية لقومه لا لنفسه وإنما سألها إلزاما عليهم بقول اللّه سبحانه:

لَنْ تَرانِي [الأعراف: 143] ، حيث قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153] .

(1) انظر: الملل والنحل للمصنف (1/ 100) ، والغنية في أصول الدين للحاكم للنيسابوري (ص 144) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام