لم يصر صائر من أهل القبلة إلى تجويز اتصال أشعة من البصر بذاته تعالى أو انطباع شبح يتمثل في الحاسة منه وانفصال شي ء من الرائي والمرئي واتصاله بهما، لكن أهل الأصول اختلفوا في أن الرؤية إدراك وراء العلم أم علم مخصوص، ومن زعم أنه إدراك وراء العلم اختلف في اشتراط البنية واتصال الشعاع ونفي القرب المفرط والبعد المفرط وتوسط الهوى المشف فشرطها المعتزلة ونفوا رؤية الباري تعالى بالأبصار نفي الاستحالة، والأشعري أثبتها إثبات الجواز على الإطلاق والوجوب بحكم الوعد ثم ردد قوله إنه علم مخصوص أي لا يتعلق إلا بالموجود أم هو إدراك حكمه حكم العلم في التعلق أي لا يتأثر من المرئي ولا يؤثر فيه ونحن نورد كلام الفريقين على الرسم المعهود.
قالت الأشعرية: الموجودات اشتركت في قضايا واختلفت في قضايا، والرؤية قد تعلقت بالمختلفات منها والمتفقات ولا يجوز أن يكون المصحح للرؤية ما يختلف فيه فإنه يوجب أن يكون لحكم واحد علتان مختلفتان وهذا غير جائز في المعقولات، أو يلزم أن يكون لحكم عام علة خاصة هي أخص من معلولها وما يتفق فيه الجوهر والعرض إما الوجود أو الحدوث والحدوث لا يجوز أن يكون مصححا للرؤية فإن الحدوث هو وجود مسبوق بعدم والعدم لا تأثير له في الحكم فبقي الوجود مصححا بالضرورة وهذا تقسيم حاصر فإن الرؤية بالاتفاق تعلقت بالجوهر والعرض وهما قد اختلفا من كل وجه سوى الوجود والحدوث وقد بطل الحدوث فتعين الوجود ولا يلزم على هذه الطريقة انتشار الأقسام كما لزم على طريق الأصحاب غير استبعاد محض للمعتزلة في قولهم لو كان كل موجود مرئيا لكان العلم والقدرة والطعم والرائحة وما سوى اللون والمتلون مرئيا ولكان نفس الرؤية مرئية بالرؤية وهذا محال ويلتزم أبو
(1) انظر: غاية المرام للآمدي (ص 159) ، والإبانة للأشعري (ص 43) ، والتمهيد للباقلاني (ص 301) ، وتبيين كذب المفترى للعسكري (ص 129) ، وبيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/ 345، 348، 349، 353، 357) ، والصواعق المرسلة لابن قيم (4/ 1334) .