فهرس الكتاب
الصفحة 119 من 284

غير النهاية لا يوجب تكثيرا في ذاته وإنما قلنا إن تعقله لذاته أمر سلبي لأن العقل هو المجرد عن المادة وتجريده عن المادة سلب المادة عنه فلزم أن يكون عالما لتجرده عن المادة وعلائقها إذ المادة هي التي كانت حجابا عن التعقلات فلما ارتفع الحجاب صار العقل مدركا عند ارتفاع الحجاب المحسوس إدراك الحس المحسوس وعند ارتفاع الحجاب المعقول إدراك العقل المعقول وليس يختص ذلك بتعقل الباري تعالى بل كل عقل ونفس إذا تجرد عن المادة عقل وأدرك بمقدار تجرده ثم ذات العقل الأول لا يحتجب عن ذاته أبدا فهو عاقل بنفسه أبدا وكل عقل ونفس مفارق للمادة فحكمه كذلك إلا أن من المواد ما يكون في ألطف ما يكون كالأجسام السماوية فكان حجابها لعقولها ونفوسها أقل تأثيرا إلى أن يصل في الدرجة العليا إلى ما لا يخالط مادة البتة فيكون أكمل الأشياء تعقلا وإدراكا ومن المواد ما يكون في أكثف ما يكون كالأجسام الأرضية فكان حجابها لإدراكاتها أكثر تأثيرا إلى أن ينزل في الدرجة السفلى إلى ما لا يفارق مادة البتة فيكون أكثر الأشياء خمودا وجمودا والعقل الأول وإن فارق المادة من كل وجه إلا أن ذاته باعتبار ذاته ممكن الوجود فلم يخرج عن الإمكان وطبيعة الإمكان عدمية مادية لم يصل تعقله إلى درجة العلة الأولى إذ هو أجل الأشياء إدراكا لا أجل الأشياء كمالا إذ هو يرى عن طبيعة الإمكان والعدم.

قالت الصفاتية: الباري تعالى يعلم ذاته ويعلم ما يلزم منه بعلمين أم بعلم واحد فإن قلتم المعلومان يستدعيان علمين فقد ناقضتم مذهبكم وزريتم علينا وإن قلتم بعلم واحد فيعلم الذات من حيث يعلم اللازم ويعلم اللازم من حيث يعلم الذات فيجب أن تكون الذات لازما واللازم ذاتا لأنه إنما يلزم منه ما يلزم لعلمه بذاته وهو من حيث ذاته يعلم اللازم فيوجد منه الذات كما يوجد منه اللازم أو كان لا يوجد منه اللازم كما لا يوجد منه الذات وإن كان يعلم الذات لا من حيث يعلم اللازم فقد تعدد الاعتبارات فتكثر الذات بتكثر الوجوه والاعتبارات على ما سنفرد مسألة في العلم الأزلي خاصة وتحقيق تعلقه بالمعلومات لكن الذي يختص بمسألتنا هذه إلزام الوجوه والاعتبارات في الصفات التي أثبتموها وقولكم تجرده عن المادة أمر سلبي أي هو مفارق ليس في مادة أصلا لا لشي ء جرده عن المادة بل لذاته وبذاته ولا يوجب تكثرا في الذات.

قلنا: من المعلوم أن قولنا عالم يشعر بتبين المعلوم وقولنا ليس في مادة يشعر بنفي المادة عنه والمفهومان متغايران لفظا ومعنى فكيف يقال أحدهما هو الثاني بعينه لعمري يصح أن يقال أحدهما سبب لوجود الثاني على معنى أن المادة إذا ارتفعت ارتفع الحجاب فأدرك الشي ء وعقله، كالمرآة المصدية إذا صقلت وارتفع الصدأ تمثلت

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام