فهرس الكتاب
الصفحة 118 من 284

بالنسبة أصلا وإن كان الوجوب معنى سلبيا في الذهن فقد استغنى بكونه نفيا عن إلزام التركيب الذهني وعندهم المعاني السلبية لا توجب التكثير سواء كانت في الذهن أو في الخارج والمعاني الإيجابية غير الإضافية لا تخلو من التكثر سواء كانت في الذهن أو في خارج ومن المعلوم أنا إذا قلنا يعلم ذاته ويعلم غيره فليس علمه بذاته علما بغيره من الوجه الذي كان علما بذاته بل اعتبار علمه بذاته غير اعتبار علمه بغيره واعتبار إضافة العقل الأول إليه عندكم غير اعتبار إضافة العقل الثاني إليه وإذا اختلفت الاعتبارات والوجوه العقلية لزمكم التكثير في الذات فنحن نسمي كل اعتبار صفة، وما سميتموه بالمعاني السلبية فعندنا القدم والوحدة بمثابتهما، فإن معنى القديم أنه لا أول لوجوده ومعنى الواحد أنه لا انقسام لذاته وما سميتموه من المعاني بالمعاني الإضافية فعندنا كونه خالقا رزاقا بمثابتهما فإن معنى الخالقية يتصور من الخلق والرازقية من الرزق وبقى عندنا أنا أثبتنا معاني من كونه عالما قادرا حيا «1» فإن رده إلى السلبية غير ممكن حتى يقال معنى كونه عالما أنه غير جاهل فإن غير الجاهل قد يتصور ولا يكون عالما فهو أعم، وحتى يقال إن معنى كونه قادرا أنه غير عاجز فإن غير العاجز قد يتصور ولا يكون قادرا، فنفي الأولية بالضرورة يقتضي القدم ونفي الانقسام لا يقتضي العلم والقدرة فقد يخلو الشي ء عن الجهل والعلم كالجماد فإذا معنى العالمية والقادرية ليس معنى سلبيا، وليس هو أيضا معنى إضافيا فإن الاسم الإضافي من المضاف يتلقى بمعنى أنه يحصل الفعل أولا حتى يسمى فاعلا وليس كذلك كونه عالما قادرا فإن وجود المعلوم والمقدور من العلم والقدرة يحصل فهو على خلاف وضع الأسامي الإضافية خصوصا على أصلهم فإنهم قالوا علمه تعالى فعلي لا انفعالي وعند المتكلمين العلم يتبع المعلوم وعندهم المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة وعن هذا قالوا: إنما يصدر عنه العقل الأول لعلمه بذاته فإذا لم يكن العلم معنى سلبيا ولا معنى إضافيا ولا مركبا منهما فتعين أنه صفة للموصوف.

قالت الفلاسفة: المبدأ الأول يعقل ذاته ويعقل ما يلزم ذاته وعقله لذاته من حيث إنه مجرد عن المادة لذاته وهو علة المبدأ الثاني وهو المعلول الأول فلزم وجوده من حيث إنه يعقل ذاته وسائر الأشياء تكون معلولة على نسق الوجود منه وتجرده لذاته عن المادة أمر سلبي محض فلم تتكثر الذات بسلب شي ء منه كما يقال الإنسان ليس بحجر ولا مدر ولا نجم ولا شجر وكذا إلى غير نهاية فهذا السلب وإن بلغ إلى

(1) انظر: الرد على القائلين بوحدة الوجود للقارئ (ص 112) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام