الإعتقاد بالقدر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه
وأحبابه وأتباعه ومن اتبع هداه ثم أما بعد.
فمجلس اليوم - بإذن الله تعالى- يتعرض لقضية عظيمة وأصل كبير من أصول الإسلام وهو
الاعتقاد بالقدر و- بإذن الله تعالى- سنحاول أن نستعرض هذه القضية في مقدمة ثم بعد
ذلك أصول لابد من معرفتها، ثم بعد ذلك نتعرض لكلام الإمام العلامة ابن أبي زيد
-عليه رحمة الله- ونسأل الله - تعالى- أن يوفقني إلى توضيح ما قد يكون فيه مُشكلاً.
فبداية: الإيمان بالقضاء والقدر لابد أن نعلم أنه ركن كبير من أركان الإسلام، يدل
على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- وهو حديث
جبريل المشهور من طريق عبد الله بن عمر وهذا الحديث أصله أيضًا مُخَرَّج في
الصحيحين وفي غيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أعني: حديث جبريل
المشهور، لكن سأتعرض لهذا السياق الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب
-رضي الله تعالى عنه- وفيه:(أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري أتيا عبد
الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- ليسألاه عما أحدث هؤلاء في شأن القدر فوجدا عبد
الله بن عمر خارجاً من المسجد فيقول عبد الرحمن: فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن
يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه
قد ظهر قِبلنا ناس بالبصرة- ويقصد بهؤلاء الناس مَعبد الجهمي- يزعمون ألا قدر وأن
الأمر أُنف)وذكر من صفتهم أنهم يتقعرون العلم، أو يتقفون العلم أو يتفقهون العلم-
وكل واحدة من هذه الألفاظ وغيرها لها معنى. يتقعرون العلم، أي: يطلبون قَعر العلم،
وهذا فيه تشبيه رائق جميل لأن قعر الآبار لا تكون صافية، وإنما قعرها يكون مَشُوباً
بالأكدار والعُكارات ومنه قول الشاعر:
ونشرب إن وردنا الماء صفواً *** ويشرب غيرنا كدراً وطين