هو الإمام الحافظ العلامة: أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الإسكافي الأثرم الطائي، وقيل: الكلبي.

أحد الأعلام، ومصنف (السنن)، تلميذ الإمام أحمد.

ولد في دولة الرشيد.

روى عنه كثيرا من المسائل، سمع من عفان، وأبي الوليد، والقعنبي، وأبي نعيم، وابن أبي شيبة, وخلق كثير، وحدث عنه: النسائي في (سننه)، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني، وغيرهم.

وكان حافظا صادقا قوي الذاكرة، كان ابن معين يقول عنه: "كان أحد أبويه جنيا"؛ لسرعة فهمه وحفظه، وكان عالما بكتب ابن أبي شيبة، وله كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ، وكان من بحور العلم، وله مسند مصنف كذلك.


هو أبو القاسم الجنيد بن محمد البغدادي النهاوندي الخزاز- لأنه كان يعمل في الخز- أصله من نهاوند، ولد ببغداد قيل بعد 220، ونشأ فيها، كان شيخ العارفين وقدوة السائرين وعلم الأولياء في زمانه، تفقه على أبي ثور, وسمع من الحسن بن عرفة وغيره, واختص بصحبة السري السقطي.

أتقن العلم، ثم أقبل على شبابه، واشتغل بما خلق له، سمع الكثير، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورزق من الذكاء وصواب الإجابات في فنون العلم ما لم ير في زمانه مثله عند أحد من أقرانه، ولا ممن أرفع سنا منه ممن كان منهم ينسب إلى العلم الباطن والعلم الظاهر في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها.

كان يفتي في حلقة أبي ثور الكلبي وله عشرون سنة.

يقال: إنه أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد، عده العلماء شيخ الصوفية؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه لم يتلبس بعقائد فاسدة، وكان يقال له طاووس العلماء، أخذ الطريقة عن خاله سري السقطي، كان الجنيد يقول: "مذهبنا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به" يعني: في مذهبه وطريقته، أثنى عليه وعلى كلماته الوعظية كثير من العلماء، توفي في بغداد ودفن عند قبر خاله.


هو أبو جعفر محمد بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، صاحب التفسير الكبير, والتاريخ الشهير، كان إماما في فنون كثيرة، منها: التفسير والحديث، والفقه والتاريخ، وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله، وكان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدا من المجتهدين.

مولده سنة 224 بآمل طبرستان.

أكثر من الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله.

قال الذهبي: "كان ثقة صادقا حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك" قال أبو بكر الخطيب: "كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه؛ لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها؛ صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، خبيرا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، والكتاب الذي في التفسير لم يصنف مثله، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، وأخبار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه"، كان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات على أحسن الصفات، وكان من كبار الصالحين، يتعفف عن قبول أموال السلاطين والوزراء، وكان صاحب همة عالية في الكتابة, قال الخطيب: "سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة".

قال أبو محمد الفرغاني: " تم من كتب محمد بن جرير كتاب "التفسير" الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب، كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى، لفعل".

وتم من كتبه كتاب "التاريخ" إلى عصره، وكتاب "تاريخ الرجال" من الصحابة والتابعين، وإلى شيوخه الذين لقيهم، وكتاب "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام" وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا، وكتاب "القراءات والتنزيل والعدد"، وكتاب "اختلاف علماء الأمصار"، وكتاب "الخفيف في أحكام شرائع الإسلام" وهو مختصر لطيف، وكتاب "التبصير" وهو رسالة إلى أهل طبرستان، يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب "تهذيب الآثار" وهو من عجائب كتبه، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، ثم فقهه، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرد على الملحدين، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي، وبعض "مسند ابن عباس"، فمات قبل تمامه".
وهو أحد المحدثين الذي اجتمعوا في مصر في أيام ابن طولون، وهم محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني، ومحمد بن جرير الطبري هذا.

توفي ببغداد ودفن ليلا بداره؛ لأن العامة اجتمعت ومنعت من دفنه نهارا، وادعوا عليه الرفض، ثم ادعوا عليه الإلحاد، وكان علي بن عيسى يقول: والله لو سئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه، ولا فهموه"، وحوشي ذلك الإمام عن مثل هذه الأشياء، وأما ما ذكره عن تعصب العامة، فليس الأمر كذلك، وإنما بعض الحنابلة تعصبوا عليه، ووقعوا فيه، فتبعهم غيرهم؛ ولذلك سبب، وهو أن الطبري جمع كتابا ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيها، وإنما كان محدثا، فاشتد ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه- رحمه الله رحمة واسعة.


ظهر في الكوفة رجل ادعى أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو رئيس الإسماعيلية، وجمع جمعا عظيما من الأعراب وأهل السواد، واستفحل أمره، فسير إليه جيش من بغداد، فقاتلوه، فظفروا به وانهزم، وقتل كثير من أصحابه.


كانت بين يوسف بن أبي الساج وبين أبي طاهر القرمطي عند الكوفة موقعة، فسبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسف بن أبي الساج: اسمع وأطع، وإلا فاستعد للقتال يوم السبت تاسع شوال منها، فكتب: هلم، فسار إليه، فلما تراءى الجمعان استقل يوسف جيش القرمطي، وكان مع يوسف بن أبي الساج عشرون ألفا، ومع القرمطي ألف فارس وخمسمائة رجل.

فقال يوسف: وما قيمة هؤلاء الكلاب؟ وأمر الكاتب أن يكتب بالفتح إلى الخليفة قبل اللقاء، فلما اقتتلوا ثبت القرامطة ثباتا عظيما، ونزل القرمطي فحرض أصحابه وحمل بهم حملة صادقة، فهزموا جند الخليفة، وأسروا يوسف بن أبي الساج أمير الجيش، وقتلوا خلقا كثيرا من جند الخليفة، واستحوذوا على الكوفة، وجاءت الأخبار بذلك إلى بغداد، وشاع بين الناس أن القرامطة يريدون أخذ بغداد، فانزعج الناس لذلك وظنوا صدقه، فاجتمع الوزير بالخليفة فجهز جيشا أربعين ألف مقاتل مع أمير يقال له بليق، فسار نحوهم، فلما سمعوا به أخذوا عليه الطرقات، فأراد دخول بغداد فلم يمكنه، ثم التقوا معه فلم يلبث بليق وجيشه أن انهزم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكان يوسف بن أبي الساج معهم مقيدا في خيمة، فجعل ينظر إلى محل الوقعة، فلما رجع القرمطي قال: أردت أن تهرب؟ فأمر به فضربت عنقه.

ورجع القرمطي من ناحية بغداد إلى الأنبار، ثم انصرف إلى هيت.


لما تزايدت الوحشة بين مؤنس صاحب الجيش، والخليفة المقتدر وزاد ذلك انفراد الوزير الحسين بن القاسم بأشياء أغاظت مؤنسا، الذي عزم على المسير إلى الموصل، فسار إليها وحارب فيها بني حمدان وهزمهم، فاستمال نحوه كثيرا من الجند والأعراب وغيرهم، وجمع العساكر وسار إلى المقتدر على أن يجري عليهم الأرزاق وإلا قاتلوه، وقد بعث بين يديه الطلائع، حتى جاء فنزل بباب الشماسية ببغداد، وأشير على الخليفة أن يستدين من والدته مالا ينفقه في الأجناد، فقال: لم يبق عندها شيء، وعزم الخليفة على الهرب إلى واسط، وأن يترك بغداد لمؤنس حتى يتراجع أمر الناس، ثم يعود إليها، فرده عن ذلك ابن ياقوت وأشار بمواجهته لمؤنس وأصحابه، فإنهم متى رأوا الخليفة هربوا كلهم إليه وتركوا مؤنسا، فركب المقتدر وهو كاره، وبين يديه الفقهاء ومعهم المصاحف المنشورة، وعليه البردة والناس حوله، ثم بعث إليه أمراؤه يعزمون عليه أن يتقدم، فامتنع من التقدم إلى محل المعركة، ثم ألحوا عليه فجاء بعد تمنع شديد، فما وصل إليهم حتى انهزموا وفروا راجعين، ولم يلتفتوا إليه ولا عطفوا عليه، فكان أول من لقيه من أمراء مؤنس علي بن بليق، فلما رآه ترجل وقبل الأرض بين يديه، وقال: لعن الله من أشار عليك بالخروج في هذا اليوم.

ثم وكل به قوما من المغاربة البربر، فلما تركهم وإياه شهروا عليه السلاح، فقال لهم: ويلكم أنا الخليفة, فضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض، وذبحه آخر وتركوا جثته، وأخذت المغاربة رأس المقتدر على خشبة قد رفعوها وهم يلعنونه، فلما انتهوا به إلى مؤنس- ولم يكن حاضرا الوقعة- فحين نظر إليه لطم رأس نفسه ووجهه وقال: ويلكم، والله لم آمركم بهذا، لعنكم الله، والله لنقتلن كلنا، ثم ركب ووقف عند دار الخلافة حتى لا تنهب، وهرب عبد الواحد بن المقتدر وهارون بن غريب، وأبناء رايق، إلى المدائن، وكان فعل مؤنس هذا سببا لطمع ملوك الأطراف في الخلفاء، وضعف أمر الخلافة جدا، مع ما كان المقتدر يعتمده في التبذير والتفريط في الأموال، وطاعة النساء، وعزل الوزراء، فلما قتل المقتدر بالله عزم مؤنس على تولية أبي العباس بن المقتدر بعد أبيه ليطيب قلب أم المقتدر، فعدل عن ذلك جمهور من حضر من الأمراء، فقال أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي بعد التعب والنكد نبايع لخليفة صبي له أم وخالات يطيعهن ويشاورهن؟ ثم أحضروا محمد بن المعتضد- وهو أخو المقتدر- فبايعه القضاة والأمراء والوزراء، ولقبوه بالقاهر بالله، وذلك في سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال منها.


هو أبو الفضل جعفر بن أحمد المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، أمير المؤمنين العباسي، ولد في رمضان سنة 282، وأمه أم ولد اسمها شغب، بويع له بالخلافة بعد أخيه المكتفي في ذي القعدة، سنة 295، وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وشهر وأيام.

وما ولي أحد قبله أصغر منه، فانخرم نظام الإمامة في أيامه، وصغر منصب الخلافة؛ ولهذا أراد الجند خلعه في بداية خلافته في ربيع الأول سنة 296 محتجين بصغره وعدم بلوغه، وتولية عبد الله بن المعتز، فلم يتم ذلك، وانتقض الأمر في ثاني يوم, ثم خلعوه في المحرم سنة 317، وولوا أخاه محمدا القاهر، فلم يتم ذلك سوى يومين، ثم رجع إلى الخلافة, وقد كان المقتدر ربعة من الرجال حسن الوجه والعينين، بعيد ما بين المنكبين، حسن الشعر، مدور الوجه، مشربا بحمرة، حسن الخلق، قد شاب رأسه وعارضاه، وقد كان معطاء جوادا، وله عقل جيد، وفهم وافر، وذهن صحيح، وقد كان كثير التحجب والتوسع في النفقات متلافا للأموال، محق ما لا يعد ولا يحصى منها.

كان في داره أحد عشر ألف خادم خصي، غير الصقالبة وأبناء فارس والروم والسودان، وكان له دار يقال لها دار الشجرة، بها من الأثاث والأمتعة شيء كثير جدا، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحرمين وأرباب الوظائف، وكان كثير التنفل بالصلاة والصوم والعبادة، ولكنه كان مؤثرا لشهواته، مطيعا لخدمه وغلمانه، كثير العزل والولاية والتلون.

وما زال ذلك دأبه حتى كان هلاكه على يدي غلمان مؤنس الخادم، فقتل عند باب الشماسية لليلتين بقيتا من شوال من هذه السنة، وله من العمر ثمان وثلاثون سنة، قال الذهبي: "كان منهوما باللعب والجواري، لا يلتفت إلى أعباء الأمور، فوهنت دولته، وفارقه قائده مؤنس الخادم مغاضبا له إلى الموصل، وتملكها، ووصلت القرامطة في أيامه إلى الكوفة، فهرب أهلها منها.

ودخلت الديلم الدينور فاستباحوها، وأقبلت جيوش الروم حتى بلغوا عمورية، فقتلوا وسبوا" كانت مدة خلافته أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما.

كان أكثر مدة ممن تقدمه من الخلفاء.


توفي المحدث الثقة العالم أبو عبدالله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، نسبته إلى فربر: بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وفي آخرها راء ثانية، وهي بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى.

ولد سنة 231 راوي "الجامع الصحيح" عن أبي عبد الله البخاري, سمعه منه بفربر مرتين؛ مرة سنة 248، ومرة سنة 253، وكان قد سمع "الجامع الصحيح" من البخاري عشرات الألوف، فلم ينتشر إلا عن الفربري.

رحل إليه الناس، وسمعوا منه هذا الكتاب.


هو القائم بأمر الله الفاطمي العبيدي أبو القاسم محمد نزارا بن عبيد الله المهدي صاحب إفريقية، بايع له والده عبيد الله بولاية العهد بإفريقية وجهزه أبوه لضم مصر مرتين، لكنه لم يفلح في ضمها.

وبعد وفاة القائم قام بالأمر بعده ابنه إسماعيل، وتلقب بالمنصور بالله، وكتم موته؛ خوفا أن يعلم بذلك أبو يزيد، وهو بالقرب منه على سوسة، وأبقى الأمور على حالها، ولم يتسم بالخليفة، ولم يغير السكة، ولا الخطبة، ولا البنود، وبقي على ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد، فلما فرغ منه أظهر موته، وتسمى بالخلافة.


هو المنصور بالله أبو الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي، بويع يوم وفاة أبيه القائم، وكان بليغا فصيحا يرتجل الخطب.

كانت خلافته سبع سنين وستة عشر يوما، وكان سبب موته أنه مرض من البرد الشديد، فلازمه السهر حتى لا يستطيع النوم أبدا، فداواه أحد الأطباء بدواء منوم فمات منه، ولما مات ولي الأمر بعده ابنه معد، وهو المعز لدين الله، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة، فأذن للناس فدخلوا عليه، وجلس لهم، فسلموا عليه بالخلافة، وكان عمره أربعا وعشرين سنة.


هو عبد الملك بن نوح الساماني صاحب خراسان وغزنة وما وراء النهر.

تولى حكم الدولة السامانية بعد والده, وكان في العاشرة من عمره، وكان ضعيف الهيبة ولم يقم بشيء للمحافظة على وحدة دولتهم، وكان سبب موته أنه سقط عن فرسه فوقع ميتا وافتتنت خراسان بعده، فقام بالأمر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني.

وفي عهد منصور بدأت الدولة في الضعف بسبب خروج بعض القادة عن طاعته، وازداد نفوذ البويهيين الذين امتلكوا أهم أقاليم الدولة السامانية.


دخل أهل طرسوس بلاد الروم غازين، ودخلها أيضا نجا غلام سيف الدولة بن حمدان من درب آخر، ولم يكن سيف الدولة معهم لمرضه؛ فإنه كان قد لحقه قبل ذلك بسنتين فالج، فأقام على رأس درب من تلك الدروب، فأوغل أهل طرسوس في غزوتهم حتى وصلوا إلى قونية وعادوا.


لما رجع سيف الدولة إلى حلب من غزو الروم، كان لحقه في الطريق غشية أرجف عليه الناس بالموت، فوثب هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة بن حمدان بابن دنجا النصراني فقتله، وكان خصيصا بسيف الدولة، وإنما قتله لأنه كان يتعرض لغلام له، فغار لذلك، ثم أفاق سيف الدولة، فلما علم هبة الله أن عمه لم يمت هرب إلى حران، فلما دخلها أظهر لأهلها أن عمه مات، وطلب منهم اليمين على أن يكونوا سلما لمن سالمه، وحربا لمن حاربه، فحلفوا له، واستثنوا عمه في اليمين، فأرسل سيف الدولة غلامه نجا إلى حران في طلب هبة الله، فلما قاربها هرب هبة الله إلى أبيه بالموصل، فنزل نجا على حران في السابع والعشرين من شوال، فخرج أهلها إليه من الغد، فقبض عليهم وصادرهم على ألف ألف درهم، ووكل بهم حتى أدوها في خمسة أيام، بعد الضرب الوجيع بحضرة عيالهم وأهليهم، فأخرجوا أمتعتهم فباعوا كل ما يساوي دينارا بدرهم؛ لأن أهل البلد كلهم كانوا يبيعون ليس فيهم من يشتري؛ لأنهم مصادرون، فاشترى ذلك أصحاب نجا بما أرادوا، وافتقر أهل البلد، وسار نجا إلى ميافارقين، وترك حران شاغرة بغير وال، فتسلط العيارون على أهلها.


هو الإمام العلامة الحافظ المجود, شيخ خراسان, أبو حاتم, محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية بن مرة التميمي الدارمي البستي، ولد سنة بضع وسبعين ومائتين.

صاحب الكتب المشهورة.

ومنها كتاب الأنواع والتقاسيم، المعروف باسم (صحيح ابن حبان)، كان من أوعية العلم، برع في الحديث والفقه واللغة والوعظ، تنقل في الأقطار لطلب العلم، له تصانيف كثيرة في الحديث والرجال والوعظ وغيرها، وجمع كتبه وجعلها في دار وجعلها وقفا.

تولى القضاء في بست، قال أبو سعد الإدريسي: "كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين، وحفاظ الآثار, عالما بالطب وبالنجوم, وفنون العلم, صنف المسند الصحيح- يعني به كتاب "الأنواع والتقاسيم" - وكتاب "التاريخ"، وكتاب "الضعفاء"، وفقه الناس بسمرقند".

وقال الحاكم: "كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه, واللغة, والحديث، والوعظ, ومن عقلاء الرجال, قدم نيسابور سنة 334, فسار إلى قضاء نسا, ثم انصرف إلينا في سنة 337, فأقام عندنا بنيسابور, وبنى الخانقاه, وقرئ عليه جملة من مصنفاته, ثم خرج من نيسابور إلى وطنه سجستان, عام أربعين, وكانت الرحلة إليه لسماع كتبه".

مات في بست عن 94 عاما.


خرجت الروم قاصدة مدينة آمد، فنزلوا عليها وحصروها وقاتلوا أهلها، فقتل منهم ثلاثمائة رجل، وأسر نحو أربعمائة أسير، ولم يمكنهم فتحها، فانصرفوا إلى دارا، وقربوا من نصيبين، ولقيهم قافلة واردة من ميافارقين، فأخذوها، وهرب الناس من نصيبين خوفا منهم، حتى بلغت أجرة الدابة مائة درهم، وراسل سيف الدولة الأعراب ليهرب معهم، وكان في نصيبين، فاتفق أن الروم عادوا قبل هربه، فأقام بمكانه، وسار الروم من ديار الجزيرة إلى الشام، فنازلوا أنطاكية، فأقاموا عليها مدة طويلة يقاتلون أهلها، فلم يمكنهم فتحها، فخربوا بلدها ونهبوه وعادوا إلى طرسوس.


سار المعز الفاطمي من إفريقية يريد الديار المصرية، وكان أول مسيره أواخر شوال سنة 361 وكان أول رحيله من المنصورية، فأقام بسردانية، وهي قرية قريبة من القيروان، ولحقه بها رجاله وعماله، وأهل بيته وجميع ما كان له في قصره من أموال وأمتعة وغير ذلك، وسار عنها واستعمل على بلاد إفريقية يوسف بلكين بن زيري، وجعل على صقلية حسن بن علي بن أبي الحسين، وجعل على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي، وجعل على جباية أموال إفريقية زيادة الله بن القديم، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني، وحسين بن خلف الموصدي، وأمرهم بالانقياد ليوسف بن زيري، فأقام بسردانية أربعة أشهر حتى فرغ من جميع ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسف بلكين وهو يوصيه بما يفعله، ثم سار المعز حتى وصل إلى الإسكندرية أواخر شعبان من سنة 362، وأتاه أهل مصر وأعيانها، فلقيهم وأكرمهم وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة 362، وأنزل عساكره مصر والقاهرة في الديار، وبقي كثير منهم في الخيام.


هو شيخ الحنابلة أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد البغدادي الفقيه، تلميذ أبي بكر الخلال.

ولد سنة 285.

وسمع في صباه من محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، والفضل بن الحباب وجماعة, وقيل: إنه سمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل، ولم يصح ذلك؛ قال الذهبي: " كان كبير الشأن، من بحور العلم، له الباع الطويل في الفقه, ومن نظر في كتابه " الشافي " عرف محله من العلم لولا ما بشعه بغض بعض الأئمة، مع أنه ثقة فيما ينقله "، قال القاضي أبو يعلى: " كان لأبي بكر عبد العزيز مصنفات حسنة؛ منها: كتاب " المقنع " وهو نحو مائة جزء، وكتاب " الشافي " نحو ثمانين جزءا، وكتاب " زاد المسافر " وكتاب " الخلاف مع الشافعي " وكتاب " مختصر السنة "  وروي عنه أنه قال في مرضه: أنا عندكم إلى يوم الجمعة، فمات يوم الجمعة وله ثمان وسبعون سنة, في سن شيخه الخلال, وسن شيخ شيخه أبي بكر المروذي، وسن شيخ المروذي الإمام أحمد، ويذكر عنه عبادة وتأله، وزهد وقنوع, وذكر أبو يعلى: "أنه كان معظما في النفوس، متقدما عند الدولة، بارعا في مذهب الإمام أحمد ".

قال الذهبي: " ما جاء بعد أصحاب أحمد مثل الخلال، ولا جاء بعد الخلال مثل عبد العزيز, إلا أن يكون أبا القاسم الخرقي "


هو السلطان عضد الدولة, أبو شجاع, فناخسرو بن السلطان ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي الشيعي, صاحب العراق وفارس.

تملك فارس بعد عمه عماد الدولة, ثم كثرت بلاده, واتسعت ممالكه, ودانت له البلاد والعباد.

وهو أول من خوطب بالملك شاه شاه في الإسلام، وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد أمير المؤمنين وكان بطلا شجاعا مهيبا, جبارا عسوفا, شديد الوطأة, وكان فاضلا نحويا أديبا عالما، له مشاركة في فنون، وله صنف أبو علي الفارسي "الإيضاح والتكملة", وقد مدحه فحول الشعراء، وسافر إلى بابه المتنبي في شيراز، قبل أن يملك العراق، وامتدحه بقصائد مشهورة، وهو الذي أظهر قبر علي بالكوفة وادعى أنه قبره، وأقام البيمارستان العضدي ببغداد، وأنفق عليه أموالا عظيمة، وهو بيمارستان عظيم ليس في الدنيا مثل ترتيبه, قصد عضد الدولة العراق، والتقى ابن عمه عز الدولة بختيار بن معز الدولة وقتله, وتملكها, دخل بغداد وقد استولى عليها الخراب وعلى سوادها بانفجار بثوقها وقطع المفسدين طرقاتها، فبعث العسكر إلى بني شيبان، وكانوا يقطعون الطريق، فأوقعوا بهم وأسروا من بني شيبان ثمانمائة، وسد البثوق، وغرس المزاهر وعمر الطرق والقناطر والجسور, وكان متيقظا شهما، صائب الفراسة, وله عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، حتى صارت أخبار الأقاليم عنده, وكان شديد العناية بذلك، كثير البحث عن المشكلات، وافر العقل.

كان من أفراد الملوك لولا ظلمه، وسفكه للدماء، حتى إن جارية شغل قلبه بميله إليها، فأمر بتغريقها، وكان يحب العلم والعلماء ويصلهم.

قال ابن الجوزي: "كان يرتفع له في العام اثنان وثلاثون ألف ألف دينار، وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق، والموصل، وديار بكر، وحران، ومنبج.

وكان يناقش في القيراط، وأقام مكوسا ومظالم, فنسأل الله العافية ".

لما اشتدت علة عضد الدولة، وهو ما كان يعتاده من الصرع، ضعفت قوته عن دفعه، فخنقه فمات منه ثامن شوال ببغداد، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي، فدفن به، وقيل: إنه لما احتضر لم ينطلق لسانه إلا بتلاوة {ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه}, وكانت ولايته بالعراق خمس سنين ونصفا، ولما توفي كتم رفاقه خبر موته حتى جاؤوا بولده صمصام الدولة فجلس ابنه صمصام الدولة أبو كاليجار للعزاء، فأتاه الطائع لله معزيا.


توفيت زوجة بعض رؤساء النصارى، فخرجت النوائح والصلبان معها جهارا، فأنكر ذلك بعض الهاشميين، فضربه بعض غلمان ذلك الرئيس النصراني بدبوس في رأسه فشجه، فثار المسلمون بهم فانهزموا حتى لجؤوا إلى كنيسة لهم هناك، فدخلت العامة إليها فنهبوا ما فيها، وما قرب منها من دور النصارى، وتتبعوا النصارى في البلد، وقصدوا الناصح وابن أبي إسرائيل فقاتلهم غلمانهما، وانتشرت الفتنة ببغداد، ورفع المسلمون المصاحف في الأسواق، وعطلت الجمع في بعض الأيام، واستعانوا بالخليفة، فأمر بإحضار ابن أبي إسرائيل فامتنع، فعزم الخليفة على الخروج من بغداد، وقويت الفتنة جدا، ونهبت دور كثير من النصارى، ثم أحضر ابن أبي إسرائيل، فبذل أموالا جزيلة، فعفى عنه، وسكنت الفتنة.


كان الحاكم العبيدي صاحب مصر يواصل الركوب وتتصدى له العامة، فيقف عليهم ويسمع منهم.

وكان الناس في ضنك من العيش معه.

فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء عليه والسب له ولأسلافه، حتى إنهم عملوا تمثال امرأة من كاغد بخف وإزار ثم نصبوها له، وفي يدها قصة.

فأمر بأخذها من يدها، ففتحها فرأى فيها العظائم، فقال: انظروا من هذه.

فإذا هي تمثال مصنوع.

فتقدم بطلب الأمراء والعرفاء فحضروا، فأمرهم بالمصير إلى مصر لنهبها وحرقها بالنار وقتل أهلها, فتوجهوا لذلك، فقاتل المصريون عن أنفسهم بحسب ما أمكنهم.

ولحق النهب والحريق الأطراف والنواحي التي لم يكن لأهلها قوة على امتناع، ولا قدرة على دفاع.

واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام، وهو يركب ويشاهد النار، ويسمع الصياح.

فيسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر.

فيتوجع ويقول: من أمرهم بهذا؟ لعنهم الله, فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ إلى الجامع ورفعوا المصاحف، وعج الخلق بالبكاء والاستغاثة بالله.

فرحمهم الأتراك وتقاطروا إليهم وقاتلوا معهم.

وأرسلوا إلى الحاكم يقولون له: نحن عبيدك ومماليكك، وهذه النار في بلدك وفيه حرمنا وأولادنا، وما علمنا أن أهلها جنوا جناية تقتضي هذا، فإن كان باطن لا نعرفه عرفنا به، وانتظر حتى نخرج عيالنا وأموالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك أطلقنا في معاملتهم بما نعامل به المفسدين.

فأجابهم: إني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في الإيقاع بهم، وأرسل للعبيد سرا بأن كونوا على أمركم، وقواهم بالسلاح، فاقتتلوا وعاودوا الرسالة: إنا قد عرفنا غرضك، وإنه إهلاك البلد، ولوحوا بأنهم يقصدون القاهرة، فلما رآهم مستظهرين، ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها، ونهب نصفها.

وتتبع المصريون من أسر الزوجات والبنات، فاشتروهن من العبيد بعد أن اعتدي عليهن، حتى قتل جماعة أنفسهن من العار.

ثم زاد ظلم الحاكم، وعن له أن يدعي الربوبية، كما فعل فرعون، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت.